ولما كان الإنسان محل النقصان، فلا ينفك عن ذنب فلا ينفعه إلا فناء الكرم، أشار إلى ذلك مرغبا مستعطفا لهم لئلا ييأسوا فيهلكوا بقوله جوابا للأمر:
nindex.php?page=treesubj&link=29680_29694_30495_30538_32872_34103_29042nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يغفر لكم أي كرما منه وإحسانا ولطفا.
ولما كان من الذنوب ما لا يتحتم غفرانه وهو ما بعد الإسلام
[ ص: 428 ] [ قال-] :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4من ذنوبكم أي ما تقدم الإيمان من الشرك والعصيان وما تأخر عن الإيمان من الصغائر التي تفضل الله بالوعد بتكفيرها باجتناب الكبائر - هذا مما أوجبه سبحانه على نفسه المقدس بالوعد الذي لا يبدل، وأما غيره مما عدا الشرك فإلى مشيئته سبحانه.
ولما كان الإنسان، لما يغلب عليه من النسيان، والاشتغال بالآمال، يعرض عن الموت إعراض الشاك فيه بل المكذب [ به -] ذكرهم ترهيبا لهم لطفا بهم ليستحضروا أنهم في القبضة فينزعوا مما يغضبه سبحانه، فقال مشيرا إلى أن طول العمر في المعصية - وإن كان مع رغد العيش - عدم، مهددا بأنه قادر على الإهلاك في كل حين:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4ويؤخركم أي تأخيرا ينفعكم، واعلم أن الأمور كلها قد قدرت وفرغ من ضبطها لإحاطة العلم والقدرة فلا يزاد فيها ولا ينقص، ليعلم أن الإرسال إنما هو مظهر لما في الكيان ولا يظن أنه قالب للأعيان بتغيير ما سبق به القضاء من الطاعة أو العصيان فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4إلى أجل مسمى أي قد سماه الله [ وعلمه -] قبل إيجادكم فلا يزاد فيه ولا ينقص منه، فيكون موتكم على العادة متفرقا وإلا أخذكم جميعا بعذاب الاستئصال، فهذا من علم ما لا يكون لو كان كيف [ كان-]
[ ص: 429 ] يكون، [ و-] ذلك أنه علم أنهم إن أطاعوا نوحا عليه السلام كان موتهم على العادة وإلا هلكوا هلاك نفسه واحدة، وعلم أنهم لا يطيعونه، وأن موتهم إنما يكون بعذاب الاستئصال.
ولما كان الإنسان مجبولا على الأطماع الفارغة، فكان ربما قال للتعنت أو غيره: لم لا يخلدنا؟ قال فطما عن ذلك مؤكدا لاقتضاء المقام له:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4إن أجل الله [ أي -] الذي له الكمال كله فلا راد لأمره
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4إذا جاء لا يؤخر وأما قبل مجيئه فربما يقع الدعاء والطاعات والبر في البركة فيه يمنع الشواغل وإطابة الحياة، فبادروا مجيء الأجل بالإيمان لأنه إذا جاء لم يمكنكم التدارك، ولا ينفعكم بعد العيان الإيمان.
ولما كان من يعلم هذا يقينا، ويعلم أنه [ إذا -] كشف له عند الغرغرة أحب أن يؤخر ليتوب حين لا تأخير، أحسن العمل خوفا من فوات وقته وتحتم مقته، نبه على ذلك بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4لو كنتم تعلمون أي لو كان العلم أو تجدده وقتا ما في غرائزكم لعلمتم تنبيه رسولكم صلى الله عليه وسلم أن الله يفعل ما يشاء، وأن الأجل [ آت -] لا محالة فعملتم للنجاة، ولكنكم تعملون في الانهماك في الشهوات عمل الشاك في الموت.
وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ مَحَلَّ النُّقْصَانِ، فَلَا يَنْفَكُّ عَنْ ذَنْبٍ فَلَا يَنْفَعُهُ إِلَّا فَنَاءُ الْكَرَمِ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ مُرَغِّبًا مُسْتَعْطِفًا لَهُمْ لِئَلَّا يَيْأَسُوا فَيَهْلَكُوا بِقَوْلِهِ جَوَابًا لِلْأَمْرِ:
nindex.php?page=treesubj&link=29680_29694_30495_30538_32872_34103_29042nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْ كَرَمًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا وَلُطْفًا.
وَلَمَّا كَانَ مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَا يَتَحَتَّمُ غُفْرَانُهُ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ
[ ص: 428 ] [ قَالَ-] :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4مِنْ ذُنُوبِكُمْ أَيْ مَا تَقَدَّمَ الْإِيمَانُ مِنَ الشِّرْكِ وَالْعِصْيَانِ وَمَا تَأَخَّرَ عَنِ الْإِيمَانِ مِنَ الصَّغَائِرِ الَّتِي تَفَضَّلَ اللَّهُ بِالْوَعْدِ بِتَكْفِيرِهَا بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ - هَذَا مِمَّا أَوْجَبَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى نَفْسِهِ الْمُقَدَّسِ بِالْوَعْدِ الَّذِي لَا يُبَدِّلُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِمَّا عَدَا الشِّرْكَ فَإِلَى مَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ.
وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ، لِمَا يَغْلُبُ عَلَيْهِ مِنَ النِّسْيَانِ، وَالِاشْتِغَالِ بِالْآمَالِ، يُعْرِضُ عَنِ الْمَوْتِ إِعْرَاضَ الشَّاكِّ فِيهِ بَلِ الْمُكَذِّبِ [ بِهِ -] ذَكَّرَهُمْ تَرْهِيبًا لَهُمْ لُطْفًا بِهِمْ لِيَسْتَحْضِرُوا أَنَّهُمْ فِي الْقَبْضَةِ فَيَنْزِعُوا مِمَّا يُغْضِبُهُ سُبْحَانَهُ، فَقَالَ مُشِيرًا إِلَى أَنَّ طُولَ الْعُمْرِ فِي الْمَعْصِيَةِ - وَإِنْ كَانَ مَعَ رَغَدِ الْعَيْشِ - عَدَمٌ، مُهَدِّدًا بِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِهْلَاكِ فِي كُلِّ حِينٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4وَيُؤَخِّرْكُمْ أَيْ تَأْخِيرًا يَنْفَعُكُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمُورَ كُلَّهَا قَدْ قُدِّرَتْ وَفَرَغَ مِنْ ضَبْطِهَا لِإِحَاطَةِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ، لِيَعْلَمَ أَنَّ الْإِرْسَالَ إِنَّمَا هُوَ مُظْهِرٌ لِمَا فِي الْكِيَانِ وَلَا يَظُنُّ أَنَّهُ قَالِبٌ لِلْأَعْيَانِ بِتَغْيِيرِ مَا سَبَقَ بِهِ الْقَضَاءُ مِنَ الطَّاعَةِ أَوِ الْعِصْيَانِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَيْ قَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ [ وَعَلِمَهُ -] قَبْلَ إِيجَادِكُمْ فَلَا يُزَادُ فِيهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، فَيَكُونُ مَوْتُكُمْ عَلَى الْعَادَةِ مُتَفَرِّقًا وَإِلَّا أَخَذَكُمْ جَمِيعًا بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، فَهَذَا مِنْ عِلْمِ مَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ [ كَانَ-]
[ ص: 429 ] يَكُونُ، [ وَ-] ذَلِكَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ إِنْ أَطَاعُوا نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَوْتُهُمْ عَلَى الْعَادَةِ وَإِلَّا هَلَكُوا هَلَاكَ نَفْسِهِ وَاحِدَةً، وَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ، وَأَنَّ مَوْتَهُمْ إِنَّمَا يَكُونُ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ.
وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ مَجْبُولًا عَلَى الْأَطْمَاعِ الْفَارِغَةِ، فَكَانَ رُبَّمَا قَالَ لِلتَّعَنُّتِ أَوْ غَيْرِهِ: لِمَ لَا يُخَلِّدُنَا؟ قَالَ فَطَمَا عَنْ ذَلِكَ مُؤَكِّدًا لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ لَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ [ أَيِ -] الَّذِي لَهُ الْكَمَالُ كُلُّهُ فَلَا رَادَّ لِأَمْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ وَأَمَّا قَبْلَ مَجِيئِهِ فَرُبَّمَا يَقَعُ الدُّعَاءُ وَالطَّاعَاتُ وَالْبِرُّ فِي الْبَرَكَةِ فِيهِ يَمْنَعُ الشَّوَاغِلَ وَإِطَابَةَ الْحَيَاةِ، فَبَادَرُوا مَجِيءَ الْأَجَلِ بِالْإِيمَانِ لِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ لَمْ يُمْكِنْكُمُ التَّدَارُكَ، وَلَا يَنْفَعْكُمْ بَعْدَ الْعِيَانِ الْإِيمَانُ.
وَلَمَّا كَانَ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا يِقِينًا، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ [ إِذَا -] كَشَفَ لَهُ عِنْدَ الْغَرْغَرَةِ أَحَبَّ أَنْ يُؤَخِّرَ لِيَتُوبَ حِينَ لَا تَأْخِيرَ، أَحْسَنَ الْعَمَلَ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ وَقْتِهِ وَتَحَتَّمَ مَقْتُهُ، نَبَّهْ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=4لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَيْ لَوْ كَانَ الْعِلْمُ أَوْ تَجَدُّدُهُ وَقْتًا مَا فِي غَرَائِزِكُمْ لَعَلِمْتُمْ تَنْبِيهَ رَسُولِكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَأَنَّ الْأَجَلَ [ آتٍ -] لَا مَحَالَةَ فَعَمِلْتُمْ لِلنَّجَاةِ، وَلَكِنَّكُمْ تَعْمَلُونَ فِي الِانْهِمَاكِ فِي الشَّهَوَاتِ عَمَلَ الشَّاكِّ فِي الْمَوْتِ.