الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إجماع الأئمة على عدم مشروعية التمسح بقبر النبي

وأما التمسح بقبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقبيله، فكلهم كره ذلك، ونهى عنه، وذلك أنهم علموا ما قصده النبي -صلى الله عليه وسلم- من حسم مادة الشرك، وتحقيق التوحيد، وإخلاص الدين لله رب العالمين.

وهذا ما يظهر به الفرق بين سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- والرجل الصالح في حياته، وبين سؤاله بعد موته وفي مغيبه؛ وذلك أنه في حياته لا يعبده أحد بحضوره.

[ ص: 18 ] فإذا كان الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- والصالحون أحياء، لا يتركون أحدا يشرك بهم بحضورهم، بل ينهونهم عن ذلك، ويعاقبونهم عليه.

ولهذا قال المسيح -عليه السلام-: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد .

وقال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ما شاء الله وشئت، فقال: "أجعلتني لله ندا؟ قل: ما شاء الله وحده".

وقال: "لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء محمد".

ولما قالت الجويرية:


وفينا رسول الله يعلم ما في غد



قال: دعي هذا، وقولي بالذي كنت تقولين".


وقال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله".

ولما صلوا خلفه قياما، قال: "لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضهم بعضا". وقال أنس: لم يكن شيء أحب إليهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له; لما يعلمون من كراهته لذلك.

ولما سجد له معاذ، نهاه، وقال: إنه لا يصلح السجود إلا لله، ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها; من عظم حقه عليها".

ولما أتي علي بالزنادقة الذين غلوا فيه، واعتقدوا فيه الإلهية، أمر بتحريقهم بالنار.

فهذا شأن أنبياء الله وأوليائه، وإنما يقر على الغلو فيه وتعظيمه بغير حق من [ ص: 19 ] يريد علوا في الأرض وفسادا; كفرعون ونحوه، ومشايخ الضلال الذين غرضهم العلو في الأرض والفساد.

والفتنة بالأنبياء والصالحين، واتخاذهم أربابا، والإشراك بهم، مما يحصل في مغيبهم، وفي مماتهم، كما أشرك بالمسيح وعزير.

فهذا مما بين الفرق بين سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- والصالح في حياته وحضوره، وبين سؤاله في مماته ومغيبه.

التالي السابق


الخدمات العلمية