الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8379 ) مسألة ; قال : وتجوز شهادة الأعمى ، إذا تيقن الصوت روي هذا عن علي ، وابن عباس . وبه قال ابن سيرين ، وعطاء ، والشعبي ، والزهري ، ومالك ، وابن أبي ليلى ، وإسحاق ، وابن المنذر . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا تقبل شهادته .

                                                                                                                                            وروي ذلك عن النخعي ، وأبي هاشم ، واختلف عن الحسن ، وإياس ، وابن أبي ليلى . وأجاز الشافعي شهادته بالاستفاضة والترجمة ، وإذا أقر عند أذنه ويد الأعمى على رأسه ، ثم ضبطه حتى حضر عند الحاكم ، فشهد عليه ، ولم يجزها في غير ذلك ; لأن من لا تجوز شهادته على الأفعال ، لا تجوز على الأقوال ، كالصبي ، ولأن الأصوات تشتبه ، فلا يحصل اليقين ، فلم يجز أن يشهد بها ، كالخط . ولنا ، قوله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } .

                                                                                                                                            وسائر الآيات في الشهادة ، ولأنه رجل عدل [ ص: 185 ] مقبول الرواية ، فقبلت شهادته ، كالبصير ، وفارق الصبي ، فإنه ليس برجل ولا عدل ولا مقبول الرواية ، ولأن السمع أحد الحواس التي يحصل بها اليقين ، وقد يكون المشهود عليه من ألفه الأعمى ، وكثرت صحبته له ، وعرف صوته يقينا ، فيجب أن تقبل شهادته فيما تيقنه ، كالبصير ، ولا سبيل إلى إنكار حصول اليقين في بعض الأحوال . قال قتادة : للسمع قيافة كقيافة البصر . ولهذا قال أصحاب الشافعي : تقبل شهادته فيما يثبت بالاستفاضة ، ولا يثبت عندهم حتى يسمعها من عدلين ، ولا بد أن يعرفهما حتى يعرف عدالتهما ، فإذا صح أن يعرف الشاهدين ، صح أن يعرف المقر .

                                                                                                                                            ولا خلاف في قبول روايته ، وجواز استماعه من زوجته إذا عرف صوتها ، وصحة قبوله النكاح ، وجواز اشتباه الأصوات ، كجواز اشتباه الصور ، وفارق الأفعال ; فإن مدركها الرؤية ، وهي غير ممكنة من الأعمى ، والأقوال مدركها السمع ، وهو يشارك البصير فيه ، وربما زاد عليه ، يفارق الخط ، فإنه لو تيقن من كتب الخط ، أو رآه وهو يكتبه ، لم يجز أن يشهد بما كتب فيه . إذا ثبت هذا ، فإنه لا يجوز أن يشهد إلا إذا تيقن الصوت ، وعلم المشهود عليه يقينا . فإن جوز أن يكون صوت غيره ، لم يجز أن يشهد به ، كما لو اشتبه على البصير المشهود عليه ، فلم يعرفه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية