الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8502 ) فصل : فإن كانت البينة لأحدهما دون الآخر ، نظرت ; فإن كانت البينة للمدعي وحده ، حكم بها ، ولم يحلف ، بغير خلاف في المذهب . وهو قول أهل الفتيا من أهل الأمصار ; منهم الزهري ، وأبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي وقال شريح وعون بن عبد الله ، والنخعي ، والشعبي ، وابن أبي ليلى : يستحلف الرجل مع بينته . قال شريح لرجل : لو أثبت عندي كذا وكذا شاهدا ، ما قضيت لك حتى تحلف . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي : { بينتك ، أو يمينه ، ليس لك إلا ذلك . } وقول النبي صلى الله عليه وسلم { : البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه } . ولأن البينة إحدى حجتي الدعوى ، فيكتفي بها ، كاليمين .

                                                                                                                                            قال أصحابنا : ولا فرق بين الحاضر والغائب ، والحي والميت ، والصغير والكبير ، والمجنون والمكلف . وقال الشافعي إذا كان المشهود عليه لا يعبر عن نفسه ، أحلف المشهود له ، لأنه لا يمكنه أن يعبر عن نفسه في دعوى القضاء والإبراء ، فيقوم الحاكم مقامه في ذلك ، لتزول الشبهة . وهذا حسن ; فإن قيام البينة للمدعي بثبوت حقه ، لا ينفي احتمال القضاء والإبراء ، بدليل أن المدعى عليه لو ادعاه ، سمعت دعواه وبينته ، فإن كان حاضرا مكلفا ، فسكوته عن دعوى ذلك دليل على انتفائه ، فيكتفي بالبينة ، وإن كان غائبا ، أو ممن لا قول له ، نفي احتمال ذلك من غير دليل يدل على انتفائه ، فتشرع اليمين لنفيه .

                                                                                                                                            وإن لم تكن للمدعي بينة ، وكانت للمنكر بينة سمعت بينته ، ولم يحتج إلى الحلف معها ; لأنا إن قلنا بتقديمها مع التعارض ، وأنه لا يحلف معها ، فمع انفرادها أولى ، وإن قلنا بتقديم بينة المدعى عليه ، فيجب أن يكتفي بها عن اليمين ; لأنها أقوى من اليمين ، فإذا [ ص: 245 ] اكتفي باليمين ، فيما هو أقوى منها أولى . ويحتمل أن تشرع اليمين أيضا ; لأن البينة هاهنا يحتمل أن تكون مستندها اليد والتصرف ، فلا تفيد إلا ما أفادته اليد والتصرف ، وذلك لا يغني عن اليمين ، فكذلك ما قام مقامه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية