الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
معنى حديث: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران... إلخ"

فإن استروح المقلد إلى مسألة تصويب المجتهد، فالقائل بها إنما قال: إنما المجتهد مصيب; بمعنى: أنه لا يأثم بالخطأ، بل يؤجر على الخطأ بعد توفية الاجتهاد حقه، ولم يقل: إنه مصيب للحق الذي هو حكم الله في المسألة، فإن هذا خلاف ما نطق به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، حيث قال: "إن اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ، فله أجر واحد" .

فانظر في هذه العبارة النبوية في هذا الحديث الصحيح المتفق عليه عند أهل الصحيح والمتلقى بالقبول بين جميع الفرق، فإنه قال: "وإن اجتهد فأخطأ" .

فتم ما يصدر عن المجتهد في الاجتهاد في مسائل الدين إلى قسمين.

أحدهما: هو فيه مصيب، والآخر: هو فيه مخطئ.

فكيف يقول قائل: إنه مصيب للحق، سواء أصاب أو أخطأ، وقد سماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخطئا؟ !

فمن زعم أن مراد القائل بتصويب المجتهد من الإصابة للحق مطلقا، فقد غلط عليهم غلطا بينا، ونسب إليهم ما هم عنهم برآء، ولهذا أوضح جماعة من المحققين مراد القائلين بتصويب المجتهدين، بأن مقصودهم أنهم مصيبون من الصواب الذي لا ينافي الخطأ، لا من الإصابة التي هي مقابلة للخطأ.

فإن تسمية المخطئ مصيبا، هي باعتبار قيام النص على أنه مأجور في خطئه، لا باعتبار أنه لم يخطئ، فهذا لا يقول به عالم.

ومن لم يفهم هذا المعنى، فعليه أن يتهم نفسه، ويحيل الذنب على قصوره، ويقبل ما أوضحه له من هو أعرف منه بفهم كلام العلماء .

[ ص: 238 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية