الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          السادس : الغارمون وهم المدينون ، وهم ضربان : ضرب غرم لإصلاح ذات البين ، وضرب غرم لإصلاح نفسه في مباح .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( السادس : الغارمون ) للنص ( وهم المدينون ) كذا فسره الجوهري ؛ ( وهو ضربان : ضرب غرم لإصلاح ذات البين ) لقوله تعالى فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم [ الأنفال : 1 ] أي : وصلكم ، والبين : الوصل ، والمعنى : كونوا مجتمعين على أمر أبرم ، والمراد : أن تقع بينهم عداوة وضغائن يتلف بها نفس أو مال ، فيتحمل إنسان حمالة بفتح الحاء لإطفاء الفتنة وسكون النار التي كانت بينهم ، ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤديها ، فورد الشرع بإباحة المسألة فيها ، وجعل لهم نصيبا من الصدقة ، وحديث قبيصة شاهد بذلك ، وظاهره : أن الغارم يأخذ ، وإن لم يحل دينه ، وإن كانوا كفارا ، وفي " العمدة " وابن تميم و " الرعاية " الكبرى : من المسلمين ( وضرب غرم لإصلاح نفسه في مباح ) كمن استدان في نفقة نفسه وعياله أو كسوتهم ، وقيده بالمباح ليخرج ما استدان وصرفه في معصية كشرب الخمر والزنا ، ودخل فيه ما إذا اشترى نفسه من الكفار ، فيعطى قدره مع فقره ، وظاهره ولو كان في ذوي القربى ، وذكر المؤلف احتمالا بالمنع ، وكما لا يدفع إلى الغارم الكافر ، ذكره في " الشرح " ، وكذا لا يقضى منها دين ميت غرمه لمصلحة نفسه أو غيره لعدم أهلية لقبولها ، كما لو كفنه منها ، وحكى الشيخ تقي الدين رواية بالجواز ؛ لأن الغارم لا يشترط تمليكه ؛ لأنه تعالى قال : والغارمين ، ولم يقل للغارمين ، وفيه نظر . ومن تحمل بسبب إتلاف مال أو نهب أحد من الزكاة ، وكذا إن ضمن عن غيره مالا ، وهما معسران ، جاز الدفع إلى كل منهما .

                                                                                                                          [ ص: 424 ] مسائل : منها : إذا اجتمع الغرم والفقر ، أعطي بهما ، فإن أعطي للفقير ، فله صرفه في الدين ، وإن أعطي للغرم لم يصرفه في غيره ، قاله بعضهم .

                                                                                                                          ومنها : إذا دفع المالك إلى الغريم بلا إذن الفقير ، فعنه يصح ، كدفعها للفقير ، وعنه : لا ؛ لأن الدين على الغارم ، فلا يصح قضاؤه إلا بتوكيله ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " ، وهذا خلاف المذهب ، فإن كان الإمام دافعها لم يفتقر إلى وكالة لولايته عليه في إيفائه ، ولهذا يجبره عليه إذا امتنع .

                                                                                                                          ومنها : إذا أبرأ رب المال غريمه من دينه بنية الزكاة لم تسقط ، نص عليه ، سواء كان المخرج عينا أو دينا ، ويتوجه تخريج لقول الحسن وعطاء في أنها تسقط بناء على أنه هل هو تمليك أم لا ؛ وقيل : تجزئه من زكاة دينه ؛ لأنها مواساة ، ولا يكفي الحوالة بها ، جزم به ابن تميم ، بناء على الحوالة وفاء ، وذكر المؤلف أنها بمنزلة القبض ، وإلا كان بيع دين بدين .




                                                                                                                          الخدمات العلمية