المسألة الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=17057_17056_16894 { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96صيد البحر } : وفيه ثلاثة أقوال :
الأول : ما صيد منه على معنى تسمية المفعول بالفعل حسبما تقدم بيانه .
الثاني : هو حيتانه ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد .
الثالث : السمك الجري ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابن جبير .
وهذه الأقوال الثلاثة ترجع إلى قول واحد ، وهي حيتانه تفسيرا ، ويرجع من طريق الاشتقاق إلى أنه أراد
nindex.php?page=treesubj&link=17057ما حوول أخذه بحيلة وعمل ، ويدخل تحت قوله : ما صيد منه ، وهو أصل المسألة ، فكأنه قال : " أحل لكم أخذ ما في البحر من الحيتان بالمحاولة ، وأحل لكم طعامه ، وهو ما أخذ بغير محاولة " وهي :
المسألة الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=17057والذي يؤخذ بغير محاولة ولا حيلة على قسمين :
أحدهما : ما طفا عليه ميتا .
والثاني : ما جزر عنه الماء ، فأخذه الناس .
وكذلك اختلف الناس في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96وطعامه } : على ثلاثة أقوال :
الأول : ما جزر عنه .
[ ص: 197 ]
والثاني : ما طفا عليه ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، وهي رواية
معن عن
سفيان ، قال : صيد البحر ما صيد ، وطعامه ميتته .
الثالث : مملوحه ; قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، وقد روى
أبو داود عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34139ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه ، وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه } . وقال
أبو داود : الصحيح أنه موقوف على
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39005أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في البحر : هو الطهور ماؤه الحل ميتته } . وهذا نص لا غبار عليه ، ولا كلام بعده ، والله أعلم .
وتعلق أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة الذين قالوا : إن ميتة البحر حرام بعموم قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة } وهي
nindex.php?page=treesubj&link=17055كل حيوان مات حتف أنفه من غير ذكاة .
وقد بينا أن هذا الحديث يخص هذا العموم ، لا سيما وقد قال به الخليفتان
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ، وثبت بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21924عن أبي عبيدة ما تقدم من أكلهم الحوت الميت في غزاة سيف البحر ، ومن ادخارهم منه جزءا ، حتى لقوا النبي صلى الله عليه وسلم فأكل منه } .
[ ص: 198 ] فإن قيل : هذه الآية إنما سيقت لبيان ما يحرم بالإحرام ، وما لا يحرم به ، لا لبيان ما حرم بنفسه . وإنما بيان هذه الحرمة في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة } إلى آخرها . والمراد بالحديث السمك المذكور . وفي الحديث الآخر ، وهو قوله : أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالسمك والجراد . وهذه عمدة أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة .
قلنا : هذا قلب المبنى ، وإفساد المعنى لأن هذه الآية التي نحن فيها إنما جاءت لبيان تحليل الصيد ، وهو أخذ ما لا قدرة للعبد عليه ، ولا أنس له به ، وصفة تذكيته حتى يحل ، ولهذا قلنا : إن الله سبحانه خاطب به المحلين ، فبين ركن التحليل في ذلك وأخذه بالقهر والحيلة في كباره ، وباليسر في صغاره ، ثم أطلق تحليل صيد البحر في بابه ، وزاد ما لا يصاد منه ; وإنما يرميه البحر رميا ، ثم قيد تحريم صيد البر خاصة بالإحرام ، وبقي الباقي على أصل الإباحة .
فأما المحرمات وأجناسها فقد تقدم في صدر السورة وغيرها .
وأما قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة } فهو عام خصصه : هو الطهور ماؤه الحل ميتته ، في ميتة الماء خاصة .
وأما حديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=608أحلت لنا ميتتان ودمان } ; فلم يصح فلا يلزمنا عنه جواب ، ثم نقول : إنه لو كان صحيحا لكان قوله : السمك عبارة عن كل ما في البحر ، اسم عام . وقد يطلق بالعرف في بعضها فيحمل على أصل الإطلاق ، ألا ترى إلى قولهم عندنا لبعض الحوت في بعض البلدان سمك دون سائرها .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=17057_17056_16894 { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96صَيْدُ الْبَحْرِ } : وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : مَا صِيدَ مِنْهُ عَلَى مَعْنَى تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْفِعْلِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .
الثَّانِي : هُوَ حِيتَانُهُ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ .
الثَّالِثُ : السَّمَكُ الْجَرِيُّ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13033ابْنُ جُبَيْرٍ .
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ تَرْجِعُ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ ، وَهِيَ حِيتَانُهُ تَفْسِيرًا ، وَيَرْجِعُ مِنْ طَرِيقِ الِاشْتِقَاقِ إلَى أَنَّهُ أَرَادَ
nindex.php?page=treesubj&link=17057مَا حُووِلَ أَخْذُهُ بِحِيلَةٍ وَعَمَلٍ ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ : مَا صِيدَ مِنْهُ ، وَهُوَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : " أُحِلَّ لَكُمْ أَخْذُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ الْحِيتَانِ بِالْمُحَاوَلَةِ ، وَأُحِلَّ لَكُمْ طَعَامُهُ ، وَهُوَ مَا أُخِذَ بِغَيْرِ مُحَاوَلَةٍ " وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=17057وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ بِغَيْرِ مُحَاوَلَةٍ وَلَا حِيلَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : مَا طَفَا عَلَيْهِ مَيْتًا .
وَالثَّانِي : مَا جَزَرَ عَنْهُ الْمَاءُ ، فَأَخَذَهُ النَّاسُ .
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96وَطَعَامُهُ } : عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : مَا جَزَرَ عَنْهُ .
[ ص: 197 ]
وَالثَّانِي : مَا طَفَا عَلَيْهِ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرُ nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةُ ، وَهِيَ رِوَايَةُ
مَعْنٍ عَنْ
سُفْيَانَ ، قَالَ : صَيْدُ الْبَحْرِ مَا صِيدَ ، وَطَعَامُهُ مَيْتَتُهُ .
الثَّالِثُ : مَمْلُوحُهُ ; قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَقَدْ رَوَى
أَبُو دَاوُد عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34139مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ ، وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ } . وَقَالَ
أَبُو دَاوُد : الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرٍ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=15395وَالنَّسَائِيُّ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39005أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْبَحْرِ : هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } . وَهَذَا نَصٌّ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ ، وَلَا كَلَامَ بَعْدَهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَتَعَلَّقَ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ مَيْتَةَ الْبَحْرِ حَرَامٌ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } وَهِيَ
nindex.php?page=treesubj&link=17055كُلُّ حَيَوَانٍ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ .
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَخُصُّ هَذَا الْعُمُومَ ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ بِهِ الْخَلِيفَتَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرُ ، وَثَبَتَ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرٍ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21924عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَكْلِهِمْ الْحُوتَ الْمَيِّتَ فِي غُزَاةِ سَيْفِ الْبَحْرِ ، وَمِنْ ادِّخَارِهِمْ مِنْهُ جُزْءًا ، حَتَّى لَقُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ مِنْهُ } .
[ ص: 198 ] فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ الْآيَةُ إنَّمَا سِيقَتْ لِبَيَانِ مَا يُحَرَّمُ بِالْإِحْرَامِ ، وَمَا لَا يُحَرَّمُ بِهِ ، لَا لِبَيَانِ مَا حَرُمَ بِنَفْسِهِ . وَإِنَّمَا بَيَانُ هَذِهِ الْحُرْمَةِ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } إلَى آخِرِهَا . وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ السَّمَكُ الْمَذْكُورُ . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ . وَهَذِهِ عُمْدَةُ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ .
قُلْنَا : هَذَا قَلْبُ الْمَبْنَى ، وَإِفْسَادُ الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا إنَّمَا جَاءَتْ لِبَيَانِ تَحْلِيلِ الصَّيْدِ ، وَهُوَ أَخْذُ مَا لَا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ عَلَيْهِ ، وَلَا أَنَسَ لَهُ بِهِ ، وَصِفَةُ تَذْكِيَتِهِ حَتَّى يَحِلَّ ، وَلِهَذَا قُلْنَا : إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَاطَبَ بِهِ الْمُحِلِّينَ ، فَبَيَّنَ رُكْنَ التَّحْلِيلِ فِي ذَلِكَ وَأَخْذَهُ بِالْقَهْرِ وَالْحِيلَةِ فِي كِبَارِهِ ، وَبِالْيُسْرِ فِي صِغَارِهِ ، ثُمَّ أَطْلَقَ تَحْلِيلَ صَيْدِ الْبَحْرِ فِي بَابِهِ ، وَزَادَ مَا لَا يُصَادُ مِنْهُ ; وَإِنَّمَا يَرْمِيهِ الْبَحْرُ رَمْيًا ، ثُمَّ قَيَّدَ تَحْرِيمَ صَيْدِ الْبَرِّ خَاصَّةً بِالْإِحْرَامِ ، وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ .
فَأَمَّا الْمُحَرَّمَاتُ وَأَجْنَاسُهَا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } فَهُوَ عَامٌّ خَصَّصَهُ : هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ، فِي مَيْتَةِ الْمَاءِ خَاصَّةً .
وَأَمَّا حَدِيثُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=608أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ } ; فَلَمْ يَصِحَّ فَلَا يَلْزَمُنَا عَنْهُ جَوَابٌ ، ثُمَّ نَقُولُ : إنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ قَوْلُهُ : السَّمَكُ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَا فِي الْبَحْرِ ، اسْمٌ عَامٌّ . وَقَدْ يُطْلَقُ بِالْعُرْفِ فِي بَعْضِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى أَصْلِ الْإِطْلَاقِ ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ عِنْدَنَا لِبَعْضِ الْحُوتِ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ سَمَكٌ دُونَ سَائِرِهَا .