5873 [ ص: 7 ]
79
كتاب الاستئذان
[ ص: 8 ] [ ص: 9 ] بسم الله الرحمن الرحيم
79 - كتاب الاستئذان
هذا الكتاب ذكره في شرحه قبل كتاب اللباس، بعد المرتدين والمحاربين، ولا أدري كيف فعل ذلك! ابن بطال
[ ص: 10 ] 1 - باب: (بدء) السلام
6227 - حدثنا حدثنا يحيى بن جعفر، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، أبي هريرة، الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. فزادوه: ورحمة الله. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن". [انظر: 3326 - مسلم: 2841 - فتح: 11 \ 3] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خلق
كتاب الاستئذان
- باب (بدء) السلام
- باب قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها
- باب السلام اسم من أسماء الله تعالى
- باب تسليم القليل على الكثير
- باب تسليم الراكب على الماشي
- باب تسليم الماشي على القاعد
- باب تسليم الصغير على الكبير
- باب إفشاء السلام
- باب السلام للمعرفة وغير المعرفة
- باب آية الحجاب
- باب الاستئذان من أجل البصر
- باب زنا الجوارح دون الفرج
- باب التسليم والاستئذان ثلاثا
- باب إذا دعي الرجل فجاء، هل يستأذن؟
- باب التسليم على الصبيان
- باب تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال
- باب إذا قال من ذا؟ فقال أنا
- باب من رد فقال عليك السلام
- باب إذا قال فلان يقرئك السلام
- باب التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين
- باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا ولم يرد سلامه حتى تتبين توبته، وإلى متى تتبين توبة العاصي؟
- باب كيف يرد على أهل الذمة السلام؟
- باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره
- باب كيف يكتب إلى أهل الكتاب؟
- باب بمن يبدأ في الكتاب
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "قوموا إلى سيدكم"
- باب المصافحة
- باب الأخذ باليدين
- باب المعانقة وقول الرجل كيف أصبحت؟
- باب من أجاب بلبيك وسعديك
- باب لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه
- باب إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا
- باب من قام من مجلسه أو بيته ولم يستأذن أصحابه، أو تهيأ للقيام ليقوم الناس
- باب الاحتباء باليد وهو القرفصاء
- باب من اتكأ بين يدي أصحابه
- باب من أسرع في (مشيته) لحاجة أو قصد
- باب السرير
- باب من ألقي له الوسادة
- باب القائلة بعد الجمعة
- باب القائلة في المسجد
- باب من زار قوما فقال عندهم
- باب الجلوس كيفما تيسر
- باب من ناجى بين يدي الناس، ومن لم يخبر بسر صاحبه، فإذا مات أخبر به
- باب الاستلقاء
- باب لا يتناجى اثنان دون الثالث
- باب حفظ السر
- باب إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة
- باب طول النجوى
- باب لا تترك النار في البيت عند النوم
- باب إغلاق الأبواب بالليل
- باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط
- باب كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله عز وجل
- باب ما جاء في البناء
التالي
السابق
ذكر فيه حديث - رضي الله عنه -، أبي هريرة آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك، نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله. فزادوه: ورحمة الله. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن". عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خلق الله
الشرح:
معنى بدء السلام: أول ما شرع، وقوله: ("خلق الله آدم على صورته") الهاء في صورته تعود على آدم، وقيل: على مضروب في وجهه، وقيل: على الله، فمن قال بالأول احتج بأنه أقرب مذكور إلى الضمير، ويكون فائدة ذلك إتمام نعم الله على أبينا آدم - صلى الله عليه وسلم -; لما فضله الله به من خلقه بيده، وسجود الملائكة له وأنه لم يعاتبه كغيره، وذلك أن في الخبر: لما أخرج من الجنة أخرج معه الحية والطاوس، فعاقب الحية
[ ص: 11 ] بأن سود خلقها وسلبها قوائمها وجعل أكلها من التراب، وشوه خلق رجلي الطاوس، وأبقى آدم على هيئته .
ففائدة التعريف: الفرق بينه وبين المخرج معه، وقيل: فيه إبطال قول الدهرية إنه لم يكن إنسان إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان، ليس لذلك أول ولا آخر، فعرفنا الشارع تكذيبهم، وأن أول البشر آدم خلق على صورته لم يخلق من نطفة، ولا من تناسل، ولا كان طفلا، ولا سكن رحما، وقيل: لأن الله خلقه من غير أن كان ذلك على تأثير طبع ولا عنصر; إبطالا لقول الطبائعيين إن آدم خلق من فعل الطبع وتأثيره.
وذكر أن أظهر التأويل في ذلك أن الحديث خرج على سبب، وذلك أنه - عليه السلام - مر على رجل يضرب ابنه أو عبده في وجهه لطما، ويقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك. فقال - عليه السلام -: ابن فورك آدم على صورته" . فزجره عن ذلك; لأنه قد يسب الأنبياء والمؤمنين، وخص "إذا ضرب أحدكم عبده فليتق الوجه; فإن الله خلق آدم بالذكر; لأنه الذي ابتدئت خلقة (وجهه) على الحد الذي يخلق عليها سائر ولده، قالها على هذا الوجه كناية عن المضروب في وجهه، فنقل بعضهم هذه القصة مع هذه اللفظة.
[ ص: 12 ] وأضعف الوجوه أن تكون الهاء كناية عن الله من قبل أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور إليه، إلا أن تدل دلالة على خلاف ذلك، وعلى هذا التأويل معنى الصورة معنى الصفة، كما يقال: عرفني صورة هذا (الآدمي)، أي: صفته ولا صورة للأمر على الحقيقة، (إلا على معنى الصفة) ويكون تقدير التأويل: إن الله خلق آدم على صفته، أي: خلقه حيا عالما سميعا بصيرا متكلما مختارا مريدا، فعرفنا بذلك إسباغ نعمة الله عليه وتشريفه بهذه الخصال.
ونظرنا في الإضافة إلى الله فوجدناها على وجوه: منها: إضافة الفعل كما يقال: خلق الله، وأرض الله، وسماء الله. وإضافة الملك كما يقال: رزق الله، وعبد الله. وإضافة اختصاص وتنويه بذكر المضاف إليه كقولهم: الكعبة بيت الله. وكقوله: ونفخت فيه من روحي [الحجر: 29] ووجه آخر من الإضافة نحو قولهم: كلام الله وعلمه وقدرته. وهي إضافة اختصاص من طريق القيام به، وليس من جهة الملك والتشريف، بل ذلك على معنى أن ذاته [غير] متعرية منها قياما بها ووجودا، ثم نظرنا إلى إضافة الصورة إلى الله تعالى، فلم يصح أن يكون وجه إضافتها إليه على نحو إضافة الصفة إلى الموصوف بها، من حيث تقوم به; لاستحالة أن يقوم بذاته حادث، فبقي من وجوه الإضافة: الملك والفعل والتشريف. فأما الأولان فوجهه عام وتبطل فائدة التخصيص فبقي الثالث، وطريق ذلك أن الله هو الذي ابتدأ تصوير آدم لا على مثال سبق، بل اخترعه ثم اخترع
[ ص: 13 ] من بعده على مثاله، فشرفت صورته بالإضافة إليه، لا أنه أريد به إثبات صورة لله على التحقيق هو بها مصور; لأن الصورة هي التأليف والهيئة، وذلك لا يصح إلا على الأجسام المؤلفة، والباري تعالى عن ذلك.
وقيل: المعنى في رجوع الهاء إلى آدم تكذيب القدرية لما زعمت أن من صورة آدم وصفاته ما لم يخلقه الله تعالى، وذلك أنهم يقولون: إن صفات آدم على نوعين: منها ما خلقها الله، ومنها ما خلقها آدم لنفسه، فأخبر - عليه السلام - بتكذيبهم وأن الله خلقه على جميع صورته وصفاته وأعراضه، ويحتمل أن يكون رجوع الهاء إليه أيضا من وجه آخر على أصول أهل السنة أن الله خلق السعيد سعيدا والشقي شقيا، وخلق آدم وعلم أنه يعصيه ويخالف أمره، وسبق العلم بذلك، وأنه يعصي ثم يتوب تنبيها على وجوب جريان قضاء الله على خلقه، وأنه إنما تحدث الأمور وتتغير الأحوال على حسب ما يخلق عليه المرء وييسر له .
وقال بعضهم: الهاء تعود على بعض الشاهدين من الناس.
فالفائدة في ذلك تعريفنا أن صورة آدم كانت كهذه الصورة; إبطالا لقول من زعم أنها كانت على هيئة أخرى من ذكر طوله وقامته، وذلك مما لا يوثق به; إذ ليس في ذلك خبر صحيح وإنما القول في مثله على نقل وهب من أحاديث التوراة ولا بينة في شيء من ذلك، ولم يثبت من جهة أخرى أن خلقة آدم مخالفة لهذه الخلقة، وهذا خلاف نص هذا الحديث.
[ ص: 14 ] وروي عن أنه نهى أن يتحدث بمثل هذا الحديث فذكر له فيه مالك فقال: لم يكن من أهل العلم. وذكر له ابن عجلان، فقال: ما زال عاملا لهؤلاء حتى مات . أبو الزناد
فصل:
قال الحديث يدل على أن المهلب: وأن الملائكة في الملأ الأعلى يتكلمون بلسان العرب، ويتحون بتحية الله، هي التي أراد الله أن يتحيا بها. التحية بالسلام،
فصل:
وفيه والقصد إليهم فيه، وأنه من أخذ العلم ممن أمره الله بالأخذ عنه، فقد بلغ العذر في العبادة وليس عليه ملامة; لأن الأمر بتعلم العلم من أهله، آدم أمره الله أن يأخذ عن الملائكة ما يحيونه، وجعلها له تحية باقية وهو تعالى أعلم من الملائكة، ولم يعلمه إلا ليكون سنة.
فصل:
وقوله: ("فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن") هو في معنى قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين [التين: 4، 5]. ووجه الحكمة في ذلك أن الله تعالى خلق العالم بما فيه دالا على خالق حكيم، وجعل في حركات ما خلق دليلا على فناء هذا العالم وبطلانه، خلافا للدهرية التي تعبد الدهر وتزعم أنه لا يفنى، فأبقى الله هذا النقص دلالة على بطلان قولهم; لأنه إذا جاز النقص في البعض، جاز الفناء في الكل.
[ ص: 15 ] فصل:
وقوله: (فقال: "السلام عليكم"). (هكذا كان - رضي الله عنهما - يقول في سلامه وفي رده، وقال ابن عمر [السلام ينتهي إلى البركة، ولا ينبغي أن يقول في السلام]: سلام الله عليك، ولكن عليك السلام أو السلام عليكم) . ابن عباس
فصل:
سنة كفاية، وقول ابتداء السلام القاضي حسين من أصحابنا: ليس لنا سنة كفاية إلا واحدا، ليس كما ذكر كذلك، وكذا فتشميت العاطس الأضحية في حق أهل بيت.
والرد واجب وهو أفضل من الابتداء، وقيل: لا، بل هو; لأنه محصل له، وصرح به في "المعونة" والمعروف الأول، خلافا فإن كان المسلم عليهم جماعة فالرد فرض كفاية، لأبي يوسف: نعم الأفضل ردهم أجمع، فإن رد غيرهم دونهم أثموا، السلام عليكم، فإن كان واحدا خاطب والأفضل الجمع ليتناوله وملائكته، وأكمل منه زيادة: ورحمة الله وبركاته; اقتداء بقوله تعالى: وأقل السلام: رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت [هود: 73] وكالتشهد.
وقد ويكره: عليكم السلام، لأبي جري الهجيمي: "لا تقل: عليك السلام; فإن عليك السلام تحية الموتى". صححه قال - عليه السلام -
[ ص: 16 ] وادعى الترمذي، أنه لا يثبت، فإن قالها استحق الجواب على الأصح. وهذا الحديث قد ثبت عنه - عليه السلام - أنه قال في سلامه على القبور: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين"، وحياهم بتحية الأحياء. ابن بطال
فرع:
والأفضل الواو، فلو حذفها جاز، وترك الأفضل، ولو اقتصر على: وعليكم السلام، أجزأه. قال وصفة الرد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ابن أبي زيد: ولا تقل في ردك: سلام. وكان يقول في الرد والبداءة: السلام عليك. ولو اقتصر على: عليكم، لم يجزئه قطعا، ولو قال: وعليكم، بالواو ففي إجزائه وجهان، وإذا قال ابتداء: سلام عليكم أو السلام عليكم فقال المجيب مثله، كان جوابا وأجزأه. قال تعالى: ابن عمر قالوا سلاما قال سلام [هود: 69] قال: سلام. ولكن بالألف واللام أفضل.
فرع:
ولا يجزئه دون ذلك; لما روى أقل السلام ابتداء وردا إسماع صاحبه، من حديث مسلم المقداد: فإنه - عليه السلام - يسلم تسليما لا يوقظ نائما، ويسمع اليقظان.
[ ص: 17 ] فرع:
فإن أخره ثم رد لم يعد جوابا وكان آثما بتركه. يشترط كون الرد على الفور،
فرع:
وجب الرد على الفور، ويستحب أن يرد على المبلغ أيضا، فيقول: وعليك وعليه السلام; لما في الحديث أتاه سلام عليه (من غائب) مع رسول آخر أو في ورقة، خديجة لما قال - عليه السلام -: "هذا جبريل يقرأ عليك من الله السلام". فقالت: الله السلام وعلى جبريل السلام. أن بإسناد ضعيف ولأبي داود عن جد رجل قال: بعثني أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أقرئه السلام، فقلت له - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "وعليك وعلى أبيك السلام".
فرع:
سلام الصغير على الكبير، وشبهه مستحب، فلو عكسوا جاز، وكان خلاف الأفضل. والقليل على الكثير ،
فرع:
سيأتي من حديث - رضي الله عنه - أنس وهو محمول على ما إذا كان الجمع كثيرا. أنه - عليه السلام - كان إذا سلم على قوم سلم عليهم ثلاثا،
[ ص: 18 ] فرع:
في محسنا من حديث أسماء بجت يزيد: مر - عليه السلام - في المسجد فألوى بيده بالتسليم، وهو محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة. وكما في رواية الترمذي فسلم علينا. وأما حديث أبي داود: مرفوعا: عبد الله بن عمرو اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالكف". وإسناده ضعيف، كما قاله "تسليم الترمذي.
فرع:
لو كان فينبغي الإشارة مع التلفظ; ليحصل الإفهام، وإلا فلا يستحق جوابا، وإذا سلم على) أخرس فأشار الأخرس باليد سقط عنه الفرض، وكذا لو سلم عليه أخرس بالإشارة استحق الجواب. السلام على (أصم
الشرح:
معنى بدء السلام: أول ما شرع، وقوله: ("خلق الله آدم على صورته") الهاء في صورته تعود على آدم، وقيل: على مضروب في وجهه، وقيل: على الله، فمن قال بالأول احتج بأنه أقرب مذكور إلى الضمير، ويكون فائدة ذلك إتمام نعم الله على أبينا آدم - صلى الله عليه وسلم -; لما فضله الله به من خلقه بيده، وسجود الملائكة له وأنه لم يعاتبه كغيره، وذلك أن في الخبر: لما أخرج من الجنة أخرج معه الحية والطاوس، فعاقب الحية
[ ص: 11 ] بأن سود خلقها وسلبها قوائمها وجعل أكلها من التراب، وشوه خلق رجلي الطاوس، وأبقى آدم على هيئته .
ففائدة التعريف: الفرق بينه وبين المخرج معه، وقيل: فيه إبطال قول الدهرية إنه لم يكن إنسان إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان، ليس لذلك أول ولا آخر، فعرفنا الشارع تكذيبهم، وأن أول البشر آدم خلق على صورته لم يخلق من نطفة، ولا من تناسل، ولا كان طفلا، ولا سكن رحما، وقيل: لأن الله خلقه من غير أن كان ذلك على تأثير طبع ولا عنصر; إبطالا لقول الطبائعيين إن آدم خلق من فعل الطبع وتأثيره.
وذكر أن أظهر التأويل في ذلك أن الحديث خرج على سبب، وذلك أنه - عليه السلام - مر على رجل يضرب ابنه أو عبده في وجهه لطما، ويقول: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك. فقال - عليه السلام -: ابن فورك آدم على صورته" . فزجره عن ذلك; لأنه قد يسب الأنبياء والمؤمنين، وخص "إذا ضرب أحدكم عبده فليتق الوجه; فإن الله خلق آدم بالذكر; لأنه الذي ابتدئت خلقة (وجهه) على الحد الذي يخلق عليها سائر ولده، قالها على هذا الوجه كناية عن المضروب في وجهه، فنقل بعضهم هذه القصة مع هذه اللفظة.
[ ص: 12 ] وأضعف الوجوه أن تكون الهاء كناية عن الله من قبل أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور إليه، إلا أن تدل دلالة على خلاف ذلك، وعلى هذا التأويل معنى الصورة معنى الصفة، كما يقال: عرفني صورة هذا (الآدمي)، أي: صفته ولا صورة للأمر على الحقيقة، (إلا على معنى الصفة) ويكون تقدير التأويل: إن الله خلق آدم على صفته، أي: خلقه حيا عالما سميعا بصيرا متكلما مختارا مريدا، فعرفنا بذلك إسباغ نعمة الله عليه وتشريفه بهذه الخصال.
ونظرنا في الإضافة إلى الله فوجدناها على وجوه: منها: إضافة الفعل كما يقال: خلق الله، وأرض الله، وسماء الله. وإضافة الملك كما يقال: رزق الله، وعبد الله. وإضافة اختصاص وتنويه بذكر المضاف إليه كقولهم: الكعبة بيت الله. وكقوله: ونفخت فيه من روحي [الحجر: 29] ووجه آخر من الإضافة نحو قولهم: كلام الله وعلمه وقدرته. وهي إضافة اختصاص من طريق القيام به، وليس من جهة الملك والتشريف، بل ذلك على معنى أن ذاته [غير] متعرية منها قياما بها ووجودا، ثم نظرنا إلى إضافة الصورة إلى الله تعالى، فلم يصح أن يكون وجه إضافتها إليه على نحو إضافة الصفة إلى الموصوف بها، من حيث تقوم به; لاستحالة أن يقوم بذاته حادث، فبقي من وجوه الإضافة: الملك والفعل والتشريف. فأما الأولان فوجهه عام وتبطل فائدة التخصيص فبقي الثالث، وطريق ذلك أن الله هو الذي ابتدأ تصوير آدم لا على مثال سبق، بل اخترعه ثم اخترع
[ ص: 13 ] من بعده على مثاله، فشرفت صورته بالإضافة إليه، لا أنه أريد به إثبات صورة لله على التحقيق هو بها مصور; لأن الصورة هي التأليف والهيئة، وذلك لا يصح إلا على الأجسام المؤلفة، والباري تعالى عن ذلك.
وقيل: المعنى في رجوع الهاء إلى آدم تكذيب القدرية لما زعمت أن من صورة آدم وصفاته ما لم يخلقه الله تعالى، وذلك أنهم يقولون: إن صفات آدم على نوعين: منها ما خلقها الله، ومنها ما خلقها آدم لنفسه، فأخبر - عليه السلام - بتكذيبهم وأن الله خلقه على جميع صورته وصفاته وأعراضه، ويحتمل أن يكون رجوع الهاء إليه أيضا من وجه آخر على أصول أهل السنة أن الله خلق السعيد سعيدا والشقي شقيا، وخلق آدم وعلم أنه يعصيه ويخالف أمره، وسبق العلم بذلك، وأنه يعصي ثم يتوب تنبيها على وجوب جريان قضاء الله على خلقه، وأنه إنما تحدث الأمور وتتغير الأحوال على حسب ما يخلق عليه المرء وييسر له .
وقال بعضهم: الهاء تعود على بعض الشاهدين من الناس.
فالفائدة في ذلك تعريفنا أن صورة آدم كانت كهذه الصورة; إبطالا لقول من زعم أنها كانت على هيئة أخرى من ذكر طوله وقامته، وذلك مما لا يوثق به; إذ ليس في ذلك خبر صحيح وإنما القول في مثله على نقل وهب من أحاديث التوراة ولا بينة في شيء من ذلك، ولم يثبت من جهة أخرى أن خلقة آدم مخالفة لهذه الخلقة، وهذا خلاف نص هذا الحديث.
[ ص: 14 ] وروي عن أنه نهى أن يتحدث بمثل هذا الحديث فذكر له فيه مالك فقال: لم يكن من أهل العلم. وذكر له ابن عجلان، فقال: ما زال عاملا لهؤلاء حتى مات . أبو الزناد
فصل:
قال الحديث يدل على أن المهلب: وأن الملائكة في الملأ الأعلى يتكلمون بلسان العرب، ويتحون بتحية الله، هي التي أراد الله أن يتحيا بها. التحية بالسلام،
فصل:
وفيه والقصد إليهم فيه، وأنه من أخذ العلم ممن أمره الله بالأخذ عنه، فقد بلغ العذر في العبادة وليس عليه ملامة; لأن الأمر بتعلم العلم من أهله، آدم أمره الله أن يأخذ عن الملائكة ما يحيونه، وجعلها له تحية باقية وهو تعالى أعلم من الملائكة، ولم يعلمه إلا ليكون سنة.
فصل:
وقوله: ("فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن") هو في معنى قوله تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين [التين: 4، 5]. ووجه الحكمة في ذلك أن الله تعالى خلق العالم بما فيه دالا على خالق حكيم، وجعل في حركات ما خلق دليلا على فناء هذا العالم وبطلانه، خلافا للدهرية التي تعبد الدهر وتزعم أنه لا يفنى، فأبقى الله هذا النقص دلالة على بطلان قولهم; لأنه إذا جاز النقص في البعض، جاز الفناء في الكل.
[ ص: 15 ] فصل:
وقوله: (فقال: "السلام عليكم"). (هكذا كان - رضي الله عنهما - يقول في سلامه وفي رده، وقال ابن عمر [السلام ينتهي إلى البركة، ولا ينبغي أن يقول في السلام]: سلام الله عليك، ولكن عليك السلام أو السلام عليكم) . ابن عباس
فصل:
سنة كفاية، وقول ابتداء السلام القاضي حسين من أصحابنا: ليس لنا سنة كفاية إلا واحدا، ليس كما ذكر كذلك، وكذا فتشميت العاطس الأضحية في حق أهل بيت.
والرد واجب وهو أفضل من الابتداء، وقيل: لا، بل هو; لأنه محصل له، وصرح به في "المعونة" والمعروف الأول، خلافا فإن كان المسلم عليهم جماعة فالرد فرض كفاية، لأبي يوسف: نعم الأفضل ردهم أجمع، فإن رد غيرهم دونهم أثموا، السلام عليكم، فإن كان واحدا خاطب والأفضل الجمع ليتناوله وملائكته، وأكمل منه زيادة: ورحمة الله وبركاته; اقتداء بقوله تعالى: وأقل السلام: رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت [هود: 73] وكالتشهد.
وقد ويكره: عليكم السلام، لأبي جري الهجيمي: "لا تقل: عليك السلام; فإن عليك السلام تحية الموتى". صححه قال - عليه السلام -
[ ص: 16 ] وادعى الترمذي، أنه لا يثبت، فإن قالها استحق الجواب على الأصح. وهذا الحديث قد ثبت عنه - عليه السلام - أنه قال في سلامه على القبور: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين"، وحياهم بتحية الأحياء. ابن بطال
فرع:
والأفضل الواو، فلو حذفها جاز، وترك الأفضل، ولو اقتصر على: وعليكم السلام، أجزأه. قال وصفة الرد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ابن أبي زيد: ولا تقل في ردك: سلام. وكان يقول في الرد والبداءة: السلام عليك. ولو اقتصر على: عليكم، لم يجزئه قطعا، ولو قال: وعليكم، بالواو ففي إجزائه وجهان، وإذا قال ابتداء: سلام عليكم أو السلام عليكم فقال المجيب مثله، كان جوابا وأجزأه. قال تعالى: ابن عمر قالوا سلاما قال سلام [هود: 69] قال: سلام. ولكن بالألف واللام أفضل.
فرع:
ولا يجزئه دون ذلك; لما روى أقل السلام ابتداء وردا إسماع صاحبه، من حديث مسلم المقداد: فإنه - عليه السلام - يسلم تسليما لا يوقظ نائما، ويسمع اليقظان.
[ ص: 17 ] فرع:
فإن أخره ثم رد لم يعد جوابا وكان آثما بتركه. يشترط كون الرد على الفور،
فرع:
وجب الرد على الفور، ويستحب أن يرد على المبلغ أيضا، فيقول: وعليك وعليه السلام; لما في الحديث أتاه سلام عليه (من غائب) مع رسول آخر أو في ورقة، خديجة لما قال - عليه السلام -: "هذا جبريل يقرأ عليك من الله السلام". فقالت: الله السلام وعلى جبريل السلام. أن بإسناد ضعيف ولأبي داود عن جد رجل قال: بعثني أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أقرئه السلام، فقلت له - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "وعليك وعلى أبيك السلام".
فرع:
سلام الصغير على الكبير، وشبهه مستحب، فلو عكسوا جاز، وكان خلاف الأفضل. والقليل على الكثير ،
فرع:
سيأتي من حديث - رضي الله عنه - أنس وهو محمول على ما إذا كان الجمع كثيرا. أنه - عليه السلام - كان إذا سلم على قوم سلم عليهم ثلاثا،
[ ص: 18 ] فرع:
في محسنا من حديث أسماء بجت يزيد: مر - عليه السلام - في المسجد فألوى بيده بالتسليم، وهو محمول على أنه جمع بين اللفظ والإشارة. وكما في رواية الترمذي فسلم علينا. وأما حديث أبي داود: مرفوعا: عبد الله بن عمرو اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالكف". وإسناده ضعيف، كما قاله "تسليم الترمذي.
فرع:
لو كان فينبغي الإشارة مع التلفظ; ليحصل الإفهام، وإلا فلا يستحق جوابا، وإذا سلم على) أخرس فأشار الأخرس باليد سقط عنه الفرض، وكذا لو سلم عليه أخرس بالإشارة استحق الجواب. السلام على (أصم