الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
الخلاصة

قدم البحث تحليلا لحقوق الإنسان الشرعية من منظور سياسي إسلامي. وقد سعى البحث إلى تأكيد خصوصية الشريعة الإسلامية، في تصورها لحقوق الإنسان، فالإسلام يقدم منظورا للحقوق، ينطلق من تكريم الله للإنسان واستخلافه له في الأرض، ويرتكز على العقيدة التي يعتنقها الإنسان، والتي تخول له حقوقا شمولية عامة، لا تشابه الحقوق الطبيعية، أو القومية، أو الوطنية، الممارسة في الغرب؛ وذلك لأنها ترتبط بالعقيدة، وتقوم على مفاهيم عالمية، مصدرها الشريعة الإسلامية، كما يقدم الإسلام منظورا واقعيا لحقوق الإنسان، منسجما مع الفطرة الإنسانية، وثابتا في التصور.

وقد حاولنا في ثنايا البحث إبراز التصور الإسلامي للحقوق، ثم دراسة حقوق الإنسان الشخصية، سواء من الجانب الإيجابي براعية شئون الأفراد والجماعة، أو من جانب صيانة الحقوق الشخصية بتحريم التجسس على الإنسان، والاعتداء على بدنه وماله، بدون وجه حق، وأحكام حرمة البيوت، وبتحريم الشريعة الإسلامية على الدولة والأفراد دخول البيوت بدون إذن أهلها.

ومن ذلك يتضح أن الشريعة جاءت بأحكام عديدة توفر ضمانة للحقوق الشخصية، لا تتوفر في أي نظام سياسي آخر. كما ينطلق الإسلام في تصوره للحقوق السياسية من ضرورة المناصحة، والمحاسبة السياسية للحكام، ومن قاعدة المسئولية الجماعية والفردية، الواجبة على المسلم، حين يستشعر أمرا مخالفا للشرع، مما يدعم المواقف الفردية والجماعية المتصدية للانحراف عن المنهج الشرعي. والإسلام بذلك يخالف منطلق الحقوق السياسية في التصور الغربي، لارتباط الحقوق بالحرية السياسية في الغرب، والتي ترتبط بميول الفرد [ ص: 112 ] ورغبته في ممارسة حقه من عدمه. وفي حين أوجب الشارع على المسلمين المناصحة والمحاسبة السياسية للحكام، ولقد اكتفت النظرية السياسية الغربية بإبراز حق المرء، من منطلق حريته الشخصية والسياسية، في أن يتبنى المعارضة السياسية للنظام. أما الإسلام فقد تجاوز النظرة الضيقة بالتأكيد على أن دور الفرد ليس سلبيا يتمثل في المعارضة السلبية للنظام، وإنما يبنى أساسا على قاعدة الطاعة الشرعية لتحقيق الوحدة الداخلية، وعلى قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تشمل مناصحة ومحاسبة الحاكم، عن الانحرافات الشرعية، والتي قد تصل إلى عدم الطاعة في المعصية، أو الخروج على الحاكم، إذا أظهر الكفر البواح في المجتمع.

وبذلك تربط الشريعة الإسلامية ربطا محكما، بين الحقوق السياسية للمسلمين والواجبات الشرعية عليهم. كما تقدم النظرية السياسية الإسلامية كذلك، عدة ضمانات للحقوق السياسية، منها ما يتعلق بمسئولية الدولة في إقامة الشرع الإسلامي، ومنها ما يتعلق بدور الجماعات والأفراد في ضمان الحقوق السياسية للمسلمين، من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، ومحاسبة الحكام، ونصح المسلمين، وتثقيفهم، ونشر الأفكار، التي تعالج شئون الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بينهم، بهدف النهوض بهم لتحمل مسئولية الخلافة في الأرض وعمارة الكون.

كما تناول البحث كذلك حقوق الإنسان التعبدية، والتي أكد البحث أنها تبنى على قواعد تخالف فكرة الحرية الدينية في الفكر الغربي؛ وذلك لأن الحرية الدينية في الفكر الغربي تنطلق من أن التدين صلة روحية محضة بين الإنسان وخالقه، لا شأن لها بواقع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما يتعلق بذلك من تشريعات وأنظمة، وذلك لارتكاز الدولة في الغرب على المبدأ "العلماني"و"القومي". كما أن الحرية الدينية تعني حق الإنسان في اعتناق أي دين يشاء، وفي الإلحاد. أما حقوق الإنسان التعبدية فتنطلق من قواعد شرعية لا علاقة لها "بالحرية". فقد جاءت [ ص: 113 ] الشريعة بأحكام تفصيلية، في أمور العقائد والعبادات، وأحكاما ذات بعد اجتماعي، تتعلق بحفظ دين الإسلام من العبث، وصيانة المجتمع من الانحرافات العقائدية والفكرية، التي قد تطرأ على بعض أفراد المجتمع. وقد تمت دراسة حقوق الإنسان التعبدية بالنظر إلى أحكام عدم الإكراه في الدين لغير المسلمين، ثم النظر في واجب الدولة الشرعي في حفظ عقائد وشرائع الدين الإسلامي، كجزء من مسئولية الدولة في إقامة الشرع الإسلامي، ومعالجة الدولة للاختلافات التي تظهر بين المسلمين نتيجة لاختلاف الاجتهادات، ثم واجب الدولة إذا ما ظهر الكفر البواح في العقائد، من أي فرد، أو جماعة تنتسب إلى الإسلام.

وقد بينا من خلال دراسة الأحكام التعبدية أن الإسلام قد حدد للدولة دورا ينطلق من واجبها في حراسة الدين من البدع، وألزمها التقيد بأطر تمنعها من التدخل في الأمور الاعتقادية والتعبدية المختلف فيها بين المسلمين، وجعل لها حق الدعوة إلى الحق، وتصحيح المفاهيم دون اللجوء إلى القوة المادية، لإكراه المسلمين على اعتناق أفكار ومفاهيم غير قطعية من الشرع، والتي تتفاوت العقول في إدراك أدلتها، مادام أن تلك المفاهيم والأفكار لا تخرج عن الإسلام. بالإضافة إلى ذلك، جرى في ثنايا البحث الرد على عدد من الشبهات المتعلقة بأحكام المرتد الثابتة بالشريعة الإسلامية، وبيان أهمية تلك الأحكام في بناء المجتمع الإسلامي، ضمن الأطر الشرعية الثابتة.

ومن خلال الجوانب المختلفة التي تطرق إليها البحث يتأكد أن أحكام وحقوق الإنسان التي جاء بها الشرع لا يضاهيها أحكام وتشريعات أي تنظيم اجتماعي آخر، فضلا عن أن تحقيقها يستلزم قيام المجتمع الإسلامي، الذي يبني كيانه السياسي وعلاقاته على العقيدة الإسلامية ومفاهيمها، وأحكام الشريعة المنظمة لواقع الحياة. [ ص: 114 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية