الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عسر ]

                                                          عسر : العسر والعسر : ضد اليسر ، وهو الضيق والشدة والصعوبة ، قال الله تعالى : سيجعل الله بعد عسر يسرا ، وقال : فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا . روي عن ابن مسعود أنه قرأ ذلك [ ص: 145 ] وقال : لا يغلب عسر يسرين . وسئل أبو العباس عن تفسير قول ابن مسعود ومراده من هذا القول ، فقال : قال الفراء : العرب إذا ذكرت نكرة ثم أعادتها بنكرة مثلها صارتا اثنتين ، وإذا أعادتها بمعرفة فهي هي ، تقول من ذلك : إذا كسبت درهما فأنفق درهما ، فالثاني غير الأول ، وإذا أعدتها بالألف واللام فهي هي تقول من ذلك : إذا كسبت درهما فأنفق الدرهم ، فالثاني هو الأول . قال أبو العباس : وهذا معنى قول ابن مسعود ; لأن الله تعالى لما ذكر العسر ثم أعاده بالألف واللام علم أنه هو ، ولما ذكر يسرا ثم أعاده بلا ألف ولام ، علم أن الثاني غير الأول ، فصار العسر الثاني العسر الأول ، وصار يسر ثان غير يسر بدأ بذكره . ويقال : إن الله جل ذكره أراد بالعسر في الدنيا على المؤمن أنه يبدله يسرا في الدنيا ويسرا في الآخرة ، والله تعالى أعلم . قال الخطابي : العسر بين اليسرين إما فرج عاجل في الدنيا وإما ثواب آجل في الآخرة . وفي حديث عمر أنه كتب إلى أبي عبيدة وهو محصور : مهما تنزل بامرئ شديدة يجعل الله بعدها فرجا ، فإنه لن يغلب عسر يسرين . وقيل : لو دخل العسر جحرا لدخل اليسر عليه ، وذلك أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا في ضيق شديد ، فأعلمهم الله أنه سيفتح عليهم ، ففتح الله عليهم الفتوح وأبدلهم بالعسر الذي كانوا فيه اليسر . وقيل في قوله : فسنيسره لليسرى ، أي للأمر السهل الذي لا يقدر عليه إلا المؤمنون ، وقوله عز وجل : فسنيسره للعسرى قالوا : العسرى : العذاب والأمر العسير ، قال الفراء : يقول القائل : كيف قال الله تعالى : فسنيسره للعسرى وهل في العسرى تيسير ؟ قال الفراء : وهذا في جوازه بمنزلة قوله تعالى : وبشر الذين كفروا بعذاب أليم والبشارة في الأصل تقع على المفرج السار ، فإذا جمعت كل أمر في خير وشر جاز التبشير فيهما جميعا .

                                                          قال الأزهري : وتقول قابل غرب السانية لقائدها ، إذا انتهى الغرب طالعا من البئر إلى أيدي القابل وتمكن من عراقيها ، ألا ويسر السانية ، أي اعطف رأسها كي لا يجاور المنحاة فيرتفع الغرب إلى المحالة والمحور فينخرق ، ورأيتهم يسمون عطف السانية تيسيرا ; لما في خلافه من التعسير ، وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          أبي تذكرنيه كل نائبة والخير والشر والإيسار والعسر

                                                          ويجوز أن يكون العسر لغة في العسر ، كما قالوا : القفل في القفل ، والقبل في القبل ، ويجوز أن يكون احتاج فثقل ، وحسن له ذلك إتباع الضم الضم . قال عيسى بن عمر : كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم وأوسطه ساكن فمن العرب من يثقله ومنهم من يخففه ، مثل : عسر وعسر ، وحلم وحلم .

                                                          والعسرة والمعسرة والمعسرة والعسرى : خلاف الميسرة ، وهي الأمور التي تعسر ولا تتيسر ، واليسرى ما استيسر منها ، والعسرى تأنيث الأعسر من الأمور . والعرب تضع المعسور موضع العسر ، والميسور موضع اليسر ، وتجعل المفعول في الحرفين كالمصدر . قال ابن سيده : والمعسور كالعسر ، وهو أحد ما جاء من المصادر على مثال مفعول . ويقال : بلغت معسور فلان ، إذا لم ترفق به . وقد عسر الأمر يعسر عسرا ، فهو عسر . وعسر يعسر عسرا وعسارة ، فهو عسير : التاث . ويوم عسر وعسير : شديد ذو عسر ، قال الله تعالى في صفة يوم القيامة : فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير .

                                                          ويوم أعسر أي مشؤوم ، قال معقل الهذلي :


                                                          ورحنا بقوم من بدالة قرنوا     وظل لهم يوم من الشر أعسر

                                                          فسر أنه أراد به أنه مشئوم . وحاجة عسير وعسيرة : متعسرة ، أنشد ثعلب :


                                                          قد أنتحي للحاجة العسير     إذ الشباب لين الكسور

                                                          قال : معناه للحاجة التي تعسر على غيري ، وقوله :


                                                          إذ الشباب لين الكسور

                                                          أي : إذ أعضائي تمكنني وتطاوعني ، وأراد قد انتحيت ، فوضع الآتي موضع الماضي . وتعسر الأمر وتعاسر . واستعسر : اشتد والتوى وصار عسيرا . واعتسرت الكلام ، إذا اقتضبته قبل أن تزوره وتهيئه ، وقال الجعدي :


                                                          فذر ذا وعد إلى غيره     فشر المقالة ما يعتسر

                                                          قال الأزهري : وهذا من اعتسار البعير وركوبه قبل تذليله . ويقال : ذهبت الإبل عساريات وعسارى ، تقدير سكارى ، أي بعضها في إثر بعض . وأعسر الرجل : أضاق . والمعسر : نقيض الموسر . وأعسر فهو معسر : صار ذا عسرة وقلة ذات يد ، وقيل : افتقر . وحكى كراع : أعسر إعسارا وعسرا ، والصحيح أن الإعسار المصدر وأن العسرة الاسم . وفي التنزيل : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة والعسرة : قلة ذات اليد ، وكذلك الإعسار . واستعسره : طلب معسوره . وعسر الغريم يعسره ويعسره عسرا وأعسره : طلب منه الدين على عسرة وأخذه على عسرة ولم يرفق به إلى ميسرته . والعسر : مصدر عسرته ، أي أخذته على عسرة . والعسر - بالضم - : من الإعسار وهو الضيق . والمعسر : الذي يقعط على غريمه . ورجل عسر بين العسر : شكس ، وقد عاسره ، قال :


                                                          بشر أبو مروان إن عاسرته     عسر وعند يساره ميسور

                                                          ، وتعاسر البيعان : لم يتفقا ، وكذلك الزوجان . وفي التنزيل : وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى . وأعسرت المرأة وعسرت : عسر عليها ولادها ، وإذا دعي عليها قيل : أعسرت وآنثت ، وإذا دعي لها قيل : أيسرت وأذكرت ، أي وضعت ذكرا وتيسر عليها الولاد . وعسر الزمان : اشتد علينا . وعسر عليه : ضيق حكاها سيبويه . وعسر عليه ما في بطنه : لم يخرج . وتغسر : التبس فلم يقدر على تخليصه ، والغين المعجمة لغة . قال ابن المظفر : يقال للغزل إذا التبس فلم يقدر على تخليصه قد تغسر - بالغين - ولا يقال بالعين إلا تحشما قال الأزهري : وهذا الذي قاله ابن المظفر صحيح وكلام العرب عليه ، سمعته من غير واحد منهم . وعسر عليه عسرا وعسر : خالفه .

                                                          والعسرى : نقيض اليسرى . ورجل أعسر يسر : يعمل بيديه جميعا ، فإن عمل بيده الشمال خاصة ، فهو أعسر بين العسر ، والمرأة عسراء ، وقد عسرت عسرا ، قال :

                                                          [ ص: 146 ]

                                                          لها منسم مثل المحارة خفه     كأن الحصى من خلفه خذف أعسرا

                                                          ويقال : رجل أعسر وامرأة عسراء ، إذا كانت قوتهما في أشملهما ، ويعمل كل واحد منهما بشماله ما يعمله غيره بيمينه . ويقال للمرأة : عسراء يسرة ، إذا كانت تعمل بيديها جميعا ، ولا يقال : أعسر أيسر ولا عسراء يسراء للأنثى ، وعلى هذا كلام العرب . ويقال من اليسر : في فلان يسرة . وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : أعسر يسرا . وفي حديث رافع بن سالم : إنا لنرتمي في الجبانة وفينا قوم عسران ينزعون نزعا شديدا . العسران جمع الأعسر ، وهو الذي يعمل بيده اليسرى ، كأسود وسودان . يقال : ليس شيء أشد رميا من الأعسر . ومنه حديث الزهري : أنه كان يدعم على عسرائه ، العسراء تأنيث الأعسر : اليد العسراء ، ويحتمل أنه كان أعسر . وعقاب عسراء : ريشها من الجانب الأيسر أكثر من الأيمن ، وقيل : في جناحها قوادم بيض . والعسراء : القادمة البيضاء ، قال ساعدة بن جؤية :


                                                          وعمى عليه الموت يأتي طريقه     سنان كعسراء العقاب ومنهب

                                                          ، ويروى : بابي طريقه يعني عينيه ، ومنهب : فرس ينتهب الجري ، وقيل : هو اسم لهذا الفرس . وحمام أعسر : بجناحه من يساره بياض . والمعاسرة : ضد المياسرة ، والتعاسر : ضد التياسر ، والمعسور : ضد الميسور ، وهما مصدران ، وسيبويه يقول : هما صفتان ، ولا يجيء عنده المصدر على وزن مفعول ألبتة ، ويتأول قولهم : دعه إلى ميسوره وإلى معسوره - يقول : كأنه قال دعه إلى أمر يوسر فيه وإلى أمر يعسر فيه ، ويتأول المعقول أيضا . والعسرة : القادمة البيضاء ، ويقال : عقاب عسراء : في يدها قوادم بيض . وفي حديث عثمان : أنه جهز جيش العسرة . هو جيش غزوة تبوك ، سمي بها لأنه ندب الناس إلى الغزو في شدة القيظ ، وكان وقت إيناع الثمرة وطيب الظلال ، فعسر ذلك عليهم وشق . وعسرني فلان وعسرني يعسرني عسرا ، إذا جاء عن يساري . وعسرت الناقة عسرا إذا أخذتها من الإبل . واعتسر الناقة : أخذها ريضا قبل أن تذلل فخطمها وركبها ، وناقة عسير : اعتسرت من الإبل فركبت أو حمل عليها ولم تلين قبل ، وهذا على حذف الزائد ، وكذلك ناقة عيسر وعوسرانة وعيسرانة ، وبعير عسير وعيسران وعيسراني .

                                                          قال الأزهري : وزعم الليث أن العوسرانية والعيسرانية من النوق التي تركب قبل أن تراض ، قال : وكلام العرب على غير ما قال الليث ، قال الجوهري : وجمل عوسراني . والعسير : الناقة التي لم ترض . والعسير : الناقة التي لم تحمل سنتها . والعسيرة : الناقة إذا اعتاطت فلم تحمل عامها ، وفي التهذيب بغير هاء . وقال الليث : العسير : الناقة التي اعتاطت فلم تحمل سنتها ، وقد أعسرت وعسرت ، وأنشد قول الأعشى :


                                                          وعسير أدماء حادرة العي     ن خنوف عيرانة شملال

                                                          قال الأزهري : تفسير الليث للعسير أنها الناقة التي اعتاطت غير صحيح ، والعسير من الإبل عند العرب : التي اعتسرت فركبت ولم تكن ذللت قبل ذلك ولا ريضت ، وكذا فسره الأصمعي ، وكذلك قال ابن السكيت في تفسير قوله :


                                                          وروحة دنيا بين حيين رحتها     أسير عسيرا أو عروضا أروضها

                                                          قال : العسير الناقة التي ركبت قبل تذليلها . وعسرت الناقة تعسر عسرا وعسرانا ، وهي عاسر وعسير : رفعت ذنبها في عدوها ، قال الأعشى :


                                                          بناجية كأتان الثميل     تقضي السرى بعد أين عسيرا

                                                          ، وعسرت فهي عاسر : رفعت ذنبها بعد اللقاح ، والعسر : أن تعسر الناقة بذنبها ، أي تشول به ، يقال : عسرت به تعسر عسرا ، قال ذو الرمة :


                                                          إذا هي لم تعسر به ذنبت به     تحاكي به سدو النجاء الهمرجل

                                                          والعسران : أن تشول الناقة بذنبها لتري الفحل أنها لاقح ، وإذا لم تعسر وذنبت به فهي غير لاقح . والهمرجل : الجمل الذي كأنه يدحو بيديه دحوا . قال الأزهري : وأما العاسرة من النوق فهي التي إذا عدت رفعت ذنبها ، وتفعل ذلك من نشاطها ، والذئب يفعل ذلك ، ومنه قول الشاعر :


                                                          إلا عواسر كالقداح معيدة     بالليل مورد أيم متغضف

                                                          ، أراد بالعواسر الذئاب التي تعسر في عدوها وتكسر أذنابها . وناقة عوسرانية إذا كان من دأبها تكسير ذنبها ورفعه إذا عدت ، ومنه قول الطرماح :


                                                          عوسرانية إذا انتقض الخم     س نفاض الفضيض أي انتفاض

                                                          الفضيض : الماء السائل ، أراد أنها ترفع ذنبها من النشاط وتعدو بعد عطشها وآخر ظمئها في الخمس . والعسرى والعسرى : بقلة ، وقال أبو حنيفة : هي البقلة إذا يبست ، قال الشاعر :


                                                          وما منعاها الماء إلا ضنانة     بأطراف عسرى شوكها قد تخددا

                                                          والعيسران : نبت . والعسراء : بنت جرير بن سعيد الرياحي .

                                                          واعتسره : مثل اقتسره ، قال ذو الرمة :


                                                          أناس أهلكوا الرؤساء قتلا     وقادوا الناس طوعا واعتسارا

                                                          قال الأصمعي : عسره وقسره واحد . واعتسر الرجل من مال ولده إذا أخذ من ماله وهو كاره . وفي حديث عمر : يعتسر الوالد من مال ولده ، أي يأخذه منه وهو كاره ، من الاعتسار وهو الاقتسار والقهر ، ويروى بالصاد ، قال النضر في هذا الحديث : رواه بالسين وقال : معناه وهو كاره ، وأنشد :


                                                          معتسر الصرم أو مذل

                                                          [ ص: 147 ] والعسر : أصحاب البترية في التقاضي والعمل . والعسر : قبيلة من قبائل الجن ، قال بعضهم في قول ابن أحمر :


                                                          وفتيان كجنة آل عسر

                                                          ، إن عسر قبيلة من الجن ، وقيل : عسر أرض تسكنها الجن . وعسر في قول زهير : موضع :


                                                          كأن عليهم بجنوب عسر

                                                          وفي الحديث ذكر العسير ، وهو بفتح العين وكسر السين : بئر بالمدينة كانت لأبي أمية المخزومي ، سماها النبي - صلى الله عليه وسلم - بيسيرة ، والله تعالى أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية