الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 267 ] ومن ادعى إجماعا يخالف نص الرسول من غير نص يكون موافقا لما يدعيه ; واعتقد جواز مخالفة أهل الإجماع للرسول برأيهم ; وأن الإجماع ينسخ النص كما تقوله طائفة من أهل الكلام والرأي فهذا من جنس هؤلاء .

                وأما إن كان يعتقد أن الإجماع يدل على نص لم يبلغنا يكون ناسخا للأول . فهذا وإن كان لم يقل قولا سديدا فهو مجتهد في ذلك يبين له فساد ما قاله كمن عارض حديثا صحيحا بحديث ضعيف اعتقد صحته فإن قوله وإن لم يكن حقا لكن يبين له ضعفه وذلك بأن يبين له عدم الإجماع المخالف للنص أو يبين له أنه لم تجتمع الأمة على مخالفة نص إلا ومعها نص معلوم يعلمون أنه الناسخ للأول فدعوى تعارض النص والإجماع باطلة ويبين له أن مثل هذا لا يجوز ; فإن النصوص معلومة محفوظة والأمة مأمورة بتتبعها واتباعها وأما ثبوت الإجماع على خلافها بغير نص فهذا لا يمكن العلم بأن كل واحد من علماء المسلمين خالف ذلك النص .

                والإجماع نوعان : قطعي . فهذا لا سبيل إلى أن يعلم إجماع قطعي على خلاف النص . وأما الظني فهو الإجماع الإقراري والاستقرائي : بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافا أو يشتهر القول في القرآن ولا يعلم أحدا أنكره فهذا الإجماع وإن جاز الاحتجاج به [ ص: 268 ] فلا يجوز أن تدفع النصوص المعلومة به لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الإنسان بصحتها ; فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي . وأما إذا كان يظن عدمه ولا يقطع به فهو حجة ظنية والظني لا يدفع به النص المعلوم لكن يحتج به ويقدم على ما هو دونه بالظن ويقدم عليه الظن الذي هو أقوى منه فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدم دلالة النص ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدم هذا والمصيب في نفس الأمر واحد .

                وإن كان قد نقل له في المسألة فروع ولم يتعين صحته فهذا يوجب له أن لا يظن الإجماع إن لم يظن بطلان ذلك النقل وإلا فمتى جوز أن يكون ناقل النزاع صادقا وجوز أن يكون كاذبا يبقى شاكا في ثبوت الإجماع ومع الشك لا يكون معه علم ولا ظن بالإجماع ولا تدفع الأدلة الشرعية بهذا المشتبه مع أن هذا لا يكون فلا يكون قط إجماع يجب اتباعه مع معارضته لنص آخر لا مخالف له ولا يكون قط نص يجب اتباعه وليس في الأمة قائل به بل قد يخفى القائل به على كثير من الناس . قال الترمذي : كل حديث في كتابي قد عمل به بعض أهل العلم إلا حديثين : حديث الجمع ; وقتل الشارب . ومع هذا فكلا الحديثين قد عمل به طائفة وحديث الجمع قد عمل به أحمد وغيره .

                [ ص: 269 ] ولكن من ثبت عنده نص ولم يعلم قائلا به وهو لا يدري : أجمع على نقيضه أم لا ؟ فهو بمنزلة من رأى دليلا عارضه آخر وهو بعد لم يعلم رجحان أحدهما فهذا يقف إلى أن يتبين له رجحان هذا أو هذا فلا يقول قولا بلا علم ولا يتبع نصا مع ظن نسخه وعدم نسخه عنده سواء لما عارضه عنده من نص آخر أو ظن إجماع ولا عاما ظن تخصيصه وعدم تخصيصه عنده سواء فلا بد أن يكون الدليل سالما عن المعارض المقاوم فيغلب على ظنه نفي المعارض المقاوم وإلا وقف .

                وأيضا فمن ظن أن مثل هذا الإجماع يحتج به في خلاف النص إن لم يترجح عنده ثبوت الإجماع أو يكون معه نص آخر ينسخ الأول وما يظنه من الإجماع معه . وأكثر مسائل أهل المدينة التي يحتجون فيها بالعمل يكون معهم فيها نص فالنص الذي معه العمل مقدم على الآخر وهذا هو الصحيح في مذهب أحمد وغيره كتقديم حديث عثمان : { لا ينكح المحرم } على حديث ابن عباس وأمثال ذلك .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية