الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1662 - حدثنا حميد قال : قال أبو عبيد حدثني عنه ابن كثير ، وبه كان يأخذ سفيان وأهل العراق وأما الذي يجعل الدنانير مضمومة إلى الدراهم أبدا إذا جامعتها ، وإن كانت أكثر من الدراهم ، فإنه يذهب إلى أن السنة إنما جاءت في زكاة الدراهم ، وهي التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما رأى المسلمون الزكاة في الذهب تشبيها بالدراهم ، فأنا أجعلها بمنزلة العرض في أموال التجار ، وأضمها إلى الدراهم بقيمتها ، وهذا مذهب يذهب إليه بعض من يقول بالحديث والأثر وقد روي شيء يشبهه عن عطاء ، والزهري ، أنهما كانا يجعلان الدنانير بمنزلة العرض وأما الذي يجعل الدنانير بعشرة عشرة ، ولا يلتفت إلى قيمتها ، فإنه يذهب إلى أنها هكذا عدلت في الأصل بها ، يقول : ألا ترى أنه لا تجب فيها زكاة حتى تبلغ عشرين ، كما لا تجب في الدراهم زكاة حتى تبلغ مائتين ، فلما تساويا وجب في كل واحدة منهما ربع عشرها وهذا قول لم أسمع أحدا يقوله غير محمد بن الحسن ، فإنه أخبرني أن ذلك رأيه ، وخالف فيه أصحابه وأما الذي يسقط الزكاة من المالين جميعا ، حتى تبلغ الدراهم مائتين ، والدنانير عشرين ، فإنه ذهب إلى أن السنة نفسها ، قال : قد رأيتها قد فرقت بينهما ، وجعلتها نوعين مختلفين ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الفضة بالفضة ربا ، إلا مثلا بمثل ، فسوى بينهما إذا [ ص: 931 ] كانتا نوعا واحدا ، وكذلك الذهب بالذهب ، ثم أحل صلى الله عليه وسلم الذهب بأضعاف الفضة إذا كانا نوعين مختلفين ، يقول : فكيف أجمع بينهما وأجعلهما جنسا ، وقد جعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم جنسين ؟ هذا قول ابن أبي ليلى ، وشريك ، والحسن بن صالح وهذا عندي هو ألزم الأقوال لتأويل الآثار ، وأصحها في النظر ، مع الاتباع لهذه الحجة التي في الصرف ، ولحجة أخرى في الزكاة نفسها أيضا : وذلك أن رجلا لو ملك عشرين دينارا من غير دراهم ، وسعر الدنانير يومئذ تسعة الدراهم بدينار ، أو أقل من ذلك ، كانت الزكاة واجبة عليه وهو غير مالك لمائتي درهم ، ولو كانت له عشرة دنانير وقيمة الدنانير يومئذ عشرون درهما أو أكثر ، لم يكن عليه زكاة ، وهو مالك لمائتي درهم فصاعدا أفلست ترى أن معنى الدراهم قد زال ههنا عن معنى الدنانير ، وبان منه ؟ فما بال الدنانير تضم إلى الدراهم ، ثم تكون مرة عروضا إذا نقصت من العشرين ، وتكون عينا إذا تمت عشرين ؟ وليس الأمر عندي إلا على ما قال ابن أبي ليلى ، وشريك ، والحسن : إنهما مالان مختلفان كالإبل مع الغنم ، والبر مع التمر ، لا يضم واحد منهما إلى صاحبه ، فهذا ما في الدراهم إذا نقصت من المائتين ، وفي الدنانير إذا نقصت من العشرين ، فإذا بلغت هذه مائتين ، وهذه عشرين ، استوت الأقوال فيهما وزال الاختلاف فإن زادتا على ذلك كان فيها ثلاثة أقوال . [ ص: 932 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية