الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              102 102 - حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا غندر قال: حدثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن ذكوان، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا. وعن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: سمعت أبا حازم، عن أبي هريرة قال: "ثلاثة لم يبلغوا الحنث ". [1250 - مسلم: 3634 - فتح: 1 \ 196]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا آدم ثنا شعبة حدثني ابن الأصبهاني سمعت أبا صالح ذكوان يحدث، عن أبي سعيد الخدري : قالت النساء للنبي - صلى الله عليه وسلم -: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك. فوعدهن يوما لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن، فكان فيما قال لهن: "ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار". فقالت امرأة: واثنتين؟ فقال: "واثنتين".

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن ذكوان، عن أبي سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا. وعن عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: سمعت أبا حازم، عن أبي هريرة قال: "ثلاثة لم يبلغوا الحنث".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 497 ] الكلام عليه من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع: هنا كما ترى، وفي الجنائز عن مسلم، عن شعبة به. وعن بندار، عن غندر، عن شعبة به، وزاد غندر طريق أبي هريرة . قال البخاري : وقال شريك، عن ابن الأصبهاني : حدثني أبو صالح، عن أبي سعيد، وأبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو هريرة : "ثلاثة لم يبلغوا الحنث".

                                                                                                                                                                                                                              ورواه في كتاب الاعتصام عن مسدد، عن أبي عوانة، عن ابن الأصبهاني، عن أبي صالح، عن أبي سعيد .

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم في الأدب عن أبي كامل، عن أبي عوانة، وعن أبي موسى وبندار، عن غندر، عن شعبة . وعن عبد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة كلاهما عن ابن الأصبهاني، عن أبي سعيد به، وزاد في حديث شعبة طريق البخاري عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                                                              وسيأتي في الجنائز من حديث أنس مرفوعا: " ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحنث، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ". ورواه مسلم بلفظ: "لا يموتن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة ".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 498 ] وفيهما من حديث أبي هريرة مرفوعا: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد، فتمسه النار إلا تحلة القسم".

                                                                                                                                                                                                                              وأخرج في الرقاق من حديثه أيضا: "يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة".

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: في التعريف برواته غير من سلف التعريف به:

                                                                                                                                                                                                                              فأبو حازم (ع) اسمه: سلمان الأشجعي، مولى عزة الأشجعية . مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وهو كوفي تابعي ثقة.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وأبو حازم (ع) سلمة بن دينار الزاهد آخر يروي عن سهل بن سعد . وعنه: مالك وغيره، وهو ثقة. مات سنة خمس وثلاثين ومائة، وقيل: سنة ثلاث. وقيل: بعد الأربعين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 499 ] وابن الأصبهاني (ع): عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي مولى لجديلة قيس - وهم بطن من قيس غيلان وهم: فهم وعدوان ابنا عمر بن قيس، أمهم جديلة بفتح الجيم نسبوا إليها، أصله من أصبهان، خرج منها حين افتتحها أبو موسى الأشعري . قال أبو حاتم : لا بأس به. مات في إمارة خالد على العراق، قاله ابن منجويه.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: في ألفاظه:

                                                                                                                                                                                                                              المراد بالحنث: الإثم، المعنى: أنهم ماتوا قبل بلوغهم التكليف، فلم تكتب عليهم الآثام، وخص الحكم بالذين لم يبلغوا الحنث -وهم الصغار- لأن قلب الوالدين على الصغير أرحم وأشفق دون الكبير; لأن الغالب على الكبير عدم السلامة من مخالفة والديه وعقوقهم.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "إلا كان لها" كذا جاء هنا: "كان" وفي كتاب الاعتصام ومسلم : "إلا كانوا لها". وفي البخاري في الجنائز: "إلا كن لها" وأتى بلفظ التأنيث على معنى النسمة والنفس كقوله تعالى: فادخلي في عبادي [الفجر: 29].

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "واثنتين" قاله بوحي عقب السؤال ويجوز أن يكون قبله.

                                                                                                                                                                                                                              والمراد: بالحدة في تبويب البخاري : الناحية، يعني: منفردات وحدهن، والهاء في آخر الكلمة عوض من الواو المحذوفة من أول الكلمة، كما فعلوا في عدة وزنة أصلها وعدة ووزنة من الوعد والوزن.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 500 ] رابعها: في فوائده:

                                                                                                                                                                                                                              الأولى: فضل تقديم الأولاد، وقد جاء في الترمذي وقال: غريب. وابن ماجه ذكر الواحد من حديثما ابن مسعود مرفوعا: "من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حصنا حصينا من النار" فقال أبو ذر: قدمت اثنين قال: "واثنين". قال أبي بن كعب: قدمت واحدا قال: "وواحدا".

                                                                                                                                                                                                                              واستنبط القابسي وغيره الواحد من حديث أبي هريرة السالف في الرقاق، وهذا صريح فيه.

                                                                                                                                                                                                                              الثانية: ما ترجم له وترجم عليه في الجنائز: فضل من مات له ولد فاحتسب . والاحتساب والحسبة والحسبان بالكسر: ادخار الأجر عند الله، وأن يعتبر بمصابه ويحتسبه من حسناته، فهذا الثواب حاصل لمن احتسب أجره على الله وصبر.

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة: إن مفهوم العدد لا يدل على الزائد ولا على الناقص; لقولها: (واثنتين يا رسول الله؟) وهي من أهل اللسان، كذا قاله عياض وابن بطال وغيرهما، وفيه نظر.

                                                                                                                                                                                                                              الرابعة: أن أولاد المسلمين في الجنة ; لأنه إذا أدخل الآباء الجنة بفضل رحمة الأبناء فالأبناء أولى بها.

                                                                                                                                                                                                                              قال المازري : وهو إجماع في حق أطفال الأنبياء، وقول الجمهور في أولاد من سواهم من المؤمنين وبعضهم لا يحكي خلافا، ويحكي [ ص: 501 ] الإجماع على دخولهم الجنة، ويستدل بظاهر الأحاديث والآيات وبعض الآثار، قال تعالى: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا [الطور: 21] الآية.

                                                                                                                                                                                                                              وبعض المتكلمين يقف فيهم ولا يرى نصا مقطوعا به بكونهم فيها ولم يثبت الإجماع (عندهم).

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وما أبعده! فالصواب القطع بالإجماع.

                                                                                                                                                                                                                              الخامسة: سؤال النساء عن أمر دينهن، وجواز كلامهن مع الرجال في ذلك وفيما تمس الحاجة إليه، وقد أخذ العلم عن أمهات المؤمنين وعن غيرهن من نساء السلف.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية