الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                فصل في التفريق بين التعليق الذي يقصد به الإيقاع والذي يقصد به اليمين . " فالأول " أن يكون مريدا للجزاء عند الشرط وإن كان الشرط مكروها له ; لكنه إذا وجد الشرط فإنه يريد الطلاق ; لكون الشرط أكره إليه من الطلاق ; فإنه وإن كان يكره طلاقها ويكره الشرط ; لكن إذا وجد الشرط فإنه يختار طلاقها : مثل أن يكون كارها للتزوج بامرأة بغي أو فاجرة أو خائنة أو هو لا يختار طلاقها ; لكن إذا فعلت هذه الأمور : اختار طلاقها ; فيقول إن زنيت أو سرقت أو خنت فأنت طالق . ومراده إذا فعلت ذلك أن يطلقها : إما عقوبة لها ; وإما كراهة لمقامه معها [ ص: 65 ] على هذا الحال : فهذا موقع للطلاق عند الصفة ; لا حالف : ووقوع الطلاق في مثل هذا هو المأثور عن الصحابة : كابن مسعود ; وابن عمر ; وعن التابعين وسائر العلماء ; وما علمت أحدا من السلف قال في مثل هذا : إنه لا يقع به الطلاق ; ولكن نازع في ذلك طائفة من الشيعة وطائفة من الظاهرية . وهذا ليس بحالف ; ولا يدخل في لفظ اليمين المكفرة الواردة في الكتاب والسنة ; ولكن من الناس من سمى هذا حالفا كما أن منهم من يسمي كل معلق حالفا ; ومن الناس من يسمي كل منجز للطلاق حالفا .

                وهذه الاصطلاحات الثلاثة ليس لها أصل في اللغة ; ولا في كلام الشارع ولا كلام الصحابة ; وإنما سمي ذلك يمينا لما بينه وبين اليمين من القدر المشترك عند المسمى . وهو ظنه وقوع الطلاق عند الصفة . وأما التعليق الذي يقصد به اليمين فيمكن التعبير عن معناه بصيغة القسم بخلاف النوع الأول فإنه لا يمكن التعبير عن معناه بصيغة القسم . وهذا القسم إذا ذكره بصيغة الجزاء فإنما يكون إذا كان كارها للجزاء ; وهو أكره إليه من الشرط : فيكون كارها للشرط ; وهو للجزاء أكره ويلتزم أعظم المكروهين عنده ليمتنع به من أدنى المكروهين . فيقول : إن فعلت كذا فامرأتي طالق . أو عبيدي أحرار . أو علي الحج ونحو ذلك . أو يقول لامرأته : إن زنيت أو سرقت أو خنت : فأنت طالق يقصد زجرها أو تخويفها باليمين لا إيقاع الطلاق إذا فعلت ; لأنه يكون مريدا لها وإن [ ص: 66 ] فعلت ذلك ; لكون طلاقها أكره إليه من مقامها على تلك الحال فهو علق بذلك لقصد الحظر والمنع ; لا لقصد الإيقاع : فهذا حالف ليس بموقع . وهذا هو الحالف في الكتاب والسنة وهو الذي تجزئه الكفارة . والناس يحلفون بصيغة القسم وقد يحلفون بصيغة الشرط التي في معناها ; فإن علم هذا وهذا سواء باتفاق العلماء . والله أعلم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية