الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مع تقدمي المهني، لكن لازال الرهاب يعيقني.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا امرأة ناجحة حسب ما يظهر، فلدي عمل مرموق وزوج محب مسؤول وأطفال أذكياء، مشكلتي تكمن في الخوف الموجود عندي، بدأ هذا الخوف في سن المراهقة (وكنت طفلة جريئة جداً في صغري، ولكثرة انتقاد أهلي لحديثي الجريء، وغير المقبول لديهم) بدأ عندي الخوف من الحديث بصورة عامة، والحديث أمام أناس غرباء بصورة خاصة.

الأعراض التي أعاني منها هي خفقان شديد في القلب، وتعرق واحمرار الوجه، وجفاف في الحلق، قبل أن أتحدث في مجموعة أو أطرح سؤالاً.

حاولت قدر المستطاع عدم الاستسلام لهذا الخوف، أي أن لا أجعله يعيقني عن تقدمي في المجال العلمي والأكاديمي، فأصبحت ألقي محاضرات وسمنارات، وأشارك في المؤتمرات العالمية، غير أن الخوف لا زال موجوداً في المواقف الجديدة، وأقصد بذلك أن المواقف المتكررة مثل إلقاء المحاضرات على طلابي لا يمثل أية مشكلة حتى ولو كانوا طلاباً جدداً، غير أن إلقاء محاضرة للأساتذة تمثل مشكلة كبيرة، أو الحديث لمجموعة من الناس الغرباء عني الذين أجهل مستواهم العلمي.

إن مشكلة الخوف تتطور، حيث أصبحت أخاف من أشياء كثيرة مثل قيادة السيارة، أو ركوب الطائرة، والخوف من الوقوع في الخطأ، إلى غير ذلك من أمور الحياة.

الأسوأ من ذلك أنني اكتشفت هذا الخوف الاجتماعي عند ابني وابنتي المراهقين، لذا قررت الكتابة لكم عسى أن أجد العون عندكم بعد الله تعالى، علماً أني بصدد محاولة علاج هذا الخوف بطريقة البرمجة اللغوية العصبية، ولا أدري إن كنت سأوفق منه أم لا؟

ولكم جزيل الشكر .

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نازنين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إني سعيد جدًّا أن أعرف أنك -الحمد لله تعالى- لديك عمل مرموق وحياة أسرية ممتازة ومستقرة، ورزقك الله تعالى الذرية الصالحة، نسأل الله تعالى أن يحفظهم وأن يجعلهم من الناجحين والصالحين.

الأعراض التي وصفتها هي أعراض خوف اجتماعي من الدرجة البسيطة، والخوف الاجتماعي الظرفي يأتي لجميع الناس، للقوي وللضعيف، وللبر والفاجر، والمتعلم وغير المتعلم؛ لأن هذا النوع من الخوف هو في الأصل ليس ضعفًا في الشخصية، وليس نوعًا من الجبن، وهو ليس قلة في الإيمان، إنما هو نوع من السلوك المكتسب، ربما يكون الإنسان تعرض لنوع من التخويف في فترة الطفولة أو شيء من هذا القبيل.

من الأشياء المعيقة في الخوف الاجتماعي هي المفاهيم الخاطئة، فجُل الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي يأتيهم الاعتقاد بأنهم سوف يفشلون أمام الآخرين، وأنهم سيكونون محط الاستهزاء والسخرية، وهذا ليس صحيحًا.

الشيء الآخر -وهو مهم جدًّا- أن الأعراض الفسيولوجية التي يشعر بها الذي يعاني من الخوف الاجتماعي لا يحس بها الآخر، حتى احمرار الوجه الذي كثيرًا ما يتعرض له الإخوة والأخوات الذين يعانون من هذه العلة، أو التعرق، أو الشعور بالتلعثم، هذا كله شعور مبالغ فيه وليس منعكسًا بنفس الشدة أو الكثافة في نظر الآخرين، إذن تصحيح المفاهيم أعتقد أنه واحد من أسس العلاج الجيدة والمهمة والضرورية جدًّا.

ثانيًا: ممارسة تمارين الاسترخاء وجد أنها مفيدة جدًّا.

ثالثًا: أن يعرض الإنسان نفسه اجتماعيًا، ولكن بشيء من الابتعاد عن النمطية والطقوسية والروتينية، بمعنى أن يُعدد ويصنّف ويشكل أنواع تعرضه الاجتماعي، هذا جيد جدًّا ويساعد كثيرًا في التخلص من الخوف الاجتماعي.

موضوع ظهور أنواع أخرى من الخوف: هذا متوقع؛ لأن المخاوف كلها بوتقة واحدة، هي في الأصل نوع من القلق له جزئيات، وقد تتشكل المخاوف وتتلون وتختفي هذه وتظهر تلك، لكنها في نهاية الأمر طريقة العلاج هي واحدة، وهي: التجاهل، تصحيح المفاهيم، والمواجهة، وأن يكون الإنسان إيجابيًا في تفكيره.

هنالك أنواع من المواجهات الجماعية على وجه الخصوص وجد أنها مفيدة جدًّا، مثلاً المشاركة في الحلقات النقاشية، المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والتطوعية، المشاركة في حلقات تلاوة القرآن، هذا النوع من النشاط الجمعي أو الاجتماعي أو المجتمعي، وجد أنه وسيلة ممتازة جدًّا لتطوير المهارات الاجتماعية وللتخلص من الخوف الاجتماعي.

بالنسبة للعلاج عن طريق البرمجة العصبية: لا بأس به، ويمكن أن يُضاف إلى ما ذكرته لك من إرشاد بسيط، لكن في ذات الوقت أرى أن العلاج الدوائي مهم جدًّا، خاصة في مثل عمرك، لأن القابلية لنوبات عسر المزاج والاكتئاب موجودة.

الأمر الآخر والضروري جدًّا، وهو أن المخاوف بجميع أنواعها يُعتقد الآن -وبناء على ثوابت علمية رصينة- أن الناقلات العصبية داخل الدماغ تحدث فيها بعض التغيرات، وهذه التغيرات تُوضع في مسارها الصحيح من خلال تناول الأدوية، ومثل حالتك تحتاج لدواء واحد فقط، دواء مثل عقار زيروكسات -والذي يعرف علميًا باسم باروكستين- تناوله بجرعة صغيرة أعتقد أنه سوف يكون مفيدًا جدًّا، لا أعتقد أنك في حاجة لأكثر من حبة واحدة في اليوم، بعض الناس يحتاجون إلى حبتين أو ثلاث أو حتى أربع حبات، وهي الجرعة القصوى، في اليوم.

جرعة البداية لحالتك هي نصف حبة -أي عشرة مليجرام- يتم تناولها ليلاً بعد الأكل لمدة أسبوعين، بعد ذلك ترفع الجرعة إلى حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم نصف حبة يوميًا لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة عشرين يومًا، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء.

الدواء ليس إدمانيًا، وليس تعوديًا، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، فقط لا ينصح باستعماله أثناء الحمل، كما أنه يزيد الوزن بدرجة بسيطة لدى بعض الناس، وبالطبع إذا استطعت أن تقابلي الطبيب النفسي هذا أيضًا سيكون أمرًا جيدًا وطيبًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب، وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً