الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الثالثة عشرة

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى : { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } .

                                                                                                                                                                                                              فيها مسألتان :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : قال علماؤنا رحمهم الله : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ، ولم تحل له الدماء } ، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله ، والصبر على الأذى ، والصفح عن الجاهل [ مدة عشرة أعوام ، لإقامة حجة الله تعالى عليهم ، ووفاء بوعده الذي امتن به بفضله في قوله : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فاستمر الطغيان وما استدلوا بواضح البرهان ] .

                                                                                                                                                                                                              وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من قومه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ، ونفوهم عن بلادهم ، فهم بين مفتون في دينه ، ومعذب ، وبين هارب في البلاد مغرب ، فمنهم من فر إلى أرض الحبشة ، ومنهم من خرج إلى المدينة ، ومنهم من صبر على الأذى ، فلما عتت قريش على الله ، وردوا أمره وكرامته ، وكذبوا نبيه ، وعذبوا من آمن به وعبده ووحده ، وصدق نبيه ، واعتصم بدينه ، أذن الله لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم ; فكانت أول آية أنزلت في إذنه له بالحرب وإحلاله له الدماء : { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } إلى قوله : ( " الأمور " ) . [ ص: 302 ]

                                                                                                                                                                                                              أي إنما أحللت لهم القتال ; لأنهم ظلموا ، ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس إلا أن يعبدوا الله ، وأنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة .

                                                                                                                                                                                                              ثم أنزل الله عليهم : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وقد تقدم بيان ذلك .

                                                                                                                                                                                                              وعن هذا عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرنا نصر بن إبراهيم الزاهد قال : حدثنا علي بن موسى ، أنبأنا المروزي ، حدثنا الفربري ، حدثنا البخاري ، حدثنا عبد الله بن محمد المسندي ، حدثنا حرمي بن عمارة ، حدثنا شعبة عن واقد بن محمد : سمعت أبي يحدث عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله } .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية