الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ولو قيل له : طلقت امرأتك ؛ قال : نعم ، وأراد الكذب - طلقت ، ولو قيل له : ألك امرأة ؛ قال : لا ، وأراد الكذب ، لم تطلق ، وإن لطم امرأته أو أطعمها أو سقاها ، وقال : هذا طلاقك - طلقت ، إلا أن ينوي أن هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك ، وإن قال : أنت طالق لا شيء ، أو ليس بشيء ، أو لا يلزمك - طلقت ، وإن قال : أنت طالق أو لا ، أو طالق واحدة أو لا - لم يقع ، ويحتمل أن يقع ، وإن كتب طلاق امرأته ، ونوى الإيقاع - وقع ، وإن نوى تجويد خطه ، أو غم أهله ، لم يقع ، وهل تقبل دعواه في الحكم ؛ على روايتين ، فإن لم ينو شيئا ، فهل يقع ؛ على روايتين ، وإن كتبه بشيء لا يتبين ، لم يقع .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ولو قيل له : طلقت امرأتك ؛ قال : نعم ، وأراد الكذب - طلقت ) وإن لم ينو; لأن " نعم " صريح في الجواب ، والجواب الصريح للفظ الصريح صريح ، ولأنه لو قال : عليك ألف ؛ قال : نعم - وجبت ، فلو قيل له : طلقت امرأتك ؛ فقال : قد كان بعض ذلك ، وقال : أردت الإيقاع - وقع ، وإن قال : أردت أني علقت طلاقها بشرط - قبل ، ولو قيل له : أخليتها ؛ قال : نعم ، فكناية ( ولو قيل له : ألك امرأة ؛ قال : لا ، وأراد الكذب ، لم تطلق ) ; لأن قوله : مالي امرأة كناية تفتقر إلى نية الطلاق ، فإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق ، فلم يقع ، وقيل : تطلق في الحكم ، كقوله : كنت طلقتها ، وهكذا إذا نوى أنه ليس لي امرأة تخدمني أو ترضيني ، أو لا امرأة لي ، أو لم ينو شيئا ، لم تطلق لعدم النية المشترطة في الكناية .

                                                                                                                          فرع : من شهد عليه بطلاق ثلاث ، ثم أفتى بأنه لا شيء عليه ، لم يؤاخذ بإقراره لمعرفة مستنده ، ويقبل بيمينه أن مستنده في إقراره ذلك ممن يجهله مثله ، ذكره الشيخ تقي الدين ، واقتصر عليه في " الفروع " .

                                                                                                                          ( وإن لطم امرأته ) أو أخرجها من دارها ، أو ألبسها ثوبا ، أو قبلها و [ ص: 272 ] قال : هذا طلاقك ، طلقت إن نواه; لأنه كناية ، والمنصوص أنه صريح ، فيقع مطلقا ، قال أصحابنا : وعلى قياسه ( إذا أطعمها أو سقاها ، وقال : هذا طلاقك - طلقت ) اختاره ابن حامد ; لأن تقريره : أوقعت عليك طلاقا هذا الفعل من أجله ، فعلى هذا يكون صريحا ، وقال أكثر الفقهاء : لا يقع به وإن نوى ، والأشهر : أنه كناية; لأنه يحتمل التفسير المذكور ، ويحتمل أن يكون سببا للطلاق; لكون الطلاق معلقا عليه ، فصح أن يعبر به عنه; لأن الكناية ما احتمل الطلاق ، وهذا محتمل ، ويحتمل أنه كناية; لأنه يحتاج إلى تقدير ، والصريح لا يحتاجه ، فإن كان ذلك جوابا عن سؤالها الطلاق ، أو في حال الغضب - وقع ( إلا أن ينوي أن هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك ) فيدين; لأنه إذا نوى بالصريح عدم وقوع الطلاق ، لم يقع ، فلأن لا يقع هذا بطريق الأولى ، والأصح : أنه يقبل في الحكم; لأنه يجوز أن يكون سببا له في زمان بعد هذا الزمان ، وفي " الترغيب " : لو أطعمها أو سقاها ففي كونه كالضرب وجهان .

                                                                                                                          ( وإن قال : أنت طالق لا شيء ، أو ليس بشيء ، أو لا يلزمك ) ، أو لا يقع عليك ، أو طالق طلقة لا ينقص بها عدد الطلاق - ( طلقت ) بغير خلاف نعلمه; لأن ذلك رفع لجميع ما تناوله اللفظ ، فلم يصح كاستثناء الجميع ، وفي " الرعاية " - في " أنت طالق لا شيء " - وجه أنه لا يقع ( وإن قال : أنت طالق أو لا ، أو طالق واحدة أو لا - لم يقع ) على الأشهر; لأن هذا استفهام ، فإذا اتصل به ، خرج عن أن يكون لفظا للإيقاع ، وبهذا فارق الأولى; لأنه إيقاع لم يعارضه استفهام ، وظاهره : أنهما سواء ، وهو وجه لاستوائها في الاستفهام ، وفي آخر : تطلق في الثانية . [ ص: 273 ] واحدة دون الأولى ؛ لأن قوله : " أولا " يرجع إلى ما يليه من لفظ واحدة دون لفظ الإيقاع ، فيصير كأنه قال : أنت طالق ، وفرق في " المغني " و " الشرح " بينهما ؛ لأن الواحدة صفة للطلقة الواقعة ، فما اتصل بهما يرجع إليهما ، فصارت كالأولى ( ويحتمل أن يقع ) ؛ لأن الاستفهام يكون بالهمزة ونحوها ، فيقع ما أوقعه ، ولا يرتفع بما ذكر بعده ( وإن كتب طلاق امرأته ) بشيء يبين ( ونوى الإيقاع - وقع ) رواية واحدة ؛ لأن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق ، أشبهت النطق ؛ ولأن الكتابة تقوم مقام الكاتب ، بدليل أنه - عليه السلام - كان مأمورا بتبليغ الرسالة ، فبلغ بالقول مرة ، وبالكتابة أخرى ؛ ولأن كتاب القاضي يقوم مقام نطقه في إثبات الديون . وعنه : أنه صريح ، نصره القاضي وأصحابه ، وذكره الحلواني عن أصحابنا ، ويتخرج أنه لغو ، واختاره ابن حمدان بناء على إقراره بخطه ، وفيه وجهان ، قال في " الفروع " : ويتوجه عليهما صحة الولاية بالخط ، وصحة الحكم به .

                                                                                                                          ( وإن نوى تجويد خطه ، أو غم أهله ، لم يقع ) ؛ لأنه نوى باللفظ غير الإيقاع ، فالكتابة أولى ، وعنه : بلى ؛ لأن تجويد الخط وغم أهله لا ينافي الإيقاع ، وجوابه : بأن نية ذلك يدل على أنه لم يوجد منه الطلاق : فلم يقع لفوات شرطه .

                                                                                                                          ( وهل تقبل دعواه في الحكم ؛ على روايتين ) أصحهما : أنه يقبل ؛ لأن ذلك يقبل في اللفظ الصريح على قول ، فهنا أولى ؛ ولأنه إذا أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته ، فلا يكون ناويا للطلاق .

                                                                                                                          والثانية : لا يقبل ؛ لقوله - عليه السلام - : إن الله تجاوز لأمتي الخبر ؛ ولأن غم أهله يحصل بالطلاق ، فيجتمع غم أهله ووقوع طلاقه .

                                                                                                                          والجواب : أنه يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به أو الكلام ، فإن قرأ [ ص: 274 ] ما كتبه ففي قبوله حكما الخلاف ، قاله في " الترغيب " ( فإن لم ينو شيئا ، فهل يقع ؛ على وجهين ) وذكر أبو الخطاب أن الشريف خرجها في " الإرشاد " على روايتين إحداهما : يقع ، قاله الشعبي والنخعي والحكم ؛ لأن الكتابة تقوم مقام اللفظ ، والثانية : لا يقع إلا بنية ؛ لأن الكتابة محتملة ، فإنه قد يقصد بها تجربة القلم وتجويد الخط ، فلم يقع من غير نية كالكنايات في الطلاق .

                                                                                                                          ( وإن كتبه بشيء لا يتبين ) كالكتابة على الهواء أو في ماء ( لم يقع ) في ظاهر كلامه ؛ لأن الكتابة بما لا تثبت ، كالهمس بلسانه بما لا يسمع .

                                                                                                                          ( وقال أبو حفص : يقع ) ورواه الأثرم عن الشعبي ، أشبه ما لو كتبه بشيء يبين ، والفرق واضح ، وعلم منه أن الطلاق لا يقع بغير لفظ إلا في موضعين أحدهما : الكتابة بشرطه ، والثاني : الأخرس ، فإنه إذا طلق بالإشارة فإنه يقع بغير خلاف علمناه ، فلو فهمها البعض ، فكناية ، وتأويله مع صريح كالنطق ، وكتابته طلاق ، ويقع من العدد ما أشار إليه ، وفي " الشرح " : إذا أشار بأصابعه الثلاث لم يقع إلا واحدة ؛ لأن إشارته لا تكفي .




                                                                                                                          الخدمات العلمية