الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          والكنايات نوعان : ظاهرة ، وهي سبعة : أنت خلية ، وبرية ، وبائن ، وبتة ، وبتلة ، وأنت حرة ، وأنت الحرج .

                                                                                                                          وخفية نحو : اخرجي ، واذهبي ، وذوقي ، وتجرعي ، وخليتك ، وأنت مخلاة ، وأنت واحدة ، ولست لي بامرأة ، واعتدي ، واستبري ، واعتزلي ، وما أشبهه ، واختلف في قوله : الحقي بأهلك ، وحبلك على غاربك ، وتزوجي من شئت ، وحللت للأزواج ، ولا سبيل لي عليك ، ولا سلطان لي عليك ، هل هي ظاهرة أو خفية ؛ على روايتين ،

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( والكنايات ) قال الجوهري : هي أن يتكلم بشيء ويريد غيره ، وقد كنيت عن كذا ، وقال ابن القطاع : كنيت عن الشيء : سترته ، والمراد بها أنها تشبه الصريح ، وتدل على معناه ، فإن لم يكن كذلك فليس بصريح ، ولا كناية ، نحو : قومي واقعدي .

                                                                                                                          ( نوعان : ظاهرة ) ؛ لأن معنى الطلاق فيها أظهر من الثاني ( وهي سبعة ) ألفاظ ( أنت خلية ) هي في الأصل : الناقة تطلق من عقالها ويخلى عنها ، ويقال للمرأة : خلية ، كناية عن الطلاق ، قاله الجوهري ، وجعل أبو جعفر مخلاة كخلية ، ويفرق بينهما .

                                                                                                                          ( وبرية ) بالهمز وتركه ( وبائن ) أي : منفصلة ( وبتة ) بمعنى : مقطوعة .

                                                                                                                          ( وبتلة ) بمعنى : منقطعة ، وسميت مريم : البتول ؛ لانقطاعها عن النكاح بالكلية .

                                                                                                                          ( وأنت حرة ) كذا ذكرها الأكثرون أنها من الكنايات الظاهرة ؛ لأن الحرة هي التي لا رق عليها ، ولا شك أن النكاح رق ، وفي الخبر : فاتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أي : أسرى ، والزوج ليس له على الزوجة إلا رق الزوجية ، فإذا أخبر بزوال [ ص: 276 ] الرق ، فهو الرق المعهود ، وهو رق الزوجية .

                                                                                                                          ( وأنت الحرج ) بفتح الحاء والراء يعني : الحرام والإثم ، زاد في " المغني " أمرك بيدك ، وأسقط : أنت الحرج .

                                                                                                                          وزاد أبو الخطاب : أنت طالق لا رجعة لي عليك ، وفيه نظر ؛ لأنه من حيث الطلاق صريح ، ومن حيث البينونة هل هو صريح أو كناية ؛ فيه احتمالان .

                                                                                                                          ( وخفية ) هي النوع الثاني ، وهي أخفى من الدلالة عن الأولى ( نحو : اخرجي ) ودعيني أو دعيني ، قاله في " الرعاية " .

                                                                                                                          ( واذهبي ، وذوقي ، وتجرعي ، وخليتك ، وأنت مخلاة ) أي : فأنت مطلقة ، من قولهم : خلي سبيلي ، فهو مخلى ( وأنت واحدة ) أي : منفردة ( ولست لي بامرأة ، واعتدي ، واستبري ) " استبري " أصله الهمز ؛ لأنه من قولهم : استبرأت الجارية ، إذا تركتها حتى تبرأ رحمها ، وتبين حالها ، هل هي حامل أو لا .

                                                                                                                          ( واعتزلي ) اعتزل الشيء إذا كان بمعزل منه ، فمعنى اعتزلي أي : كوني وحدك في جانب .

                                                                                                                          ( وما أشبهه ) كقوله : اختاري نفسك ، ووهبتك لأهلك ، ولا حاجة لي بك ، والله قد أراحك مني ، وما بقي شيء ، وجرى القلم بما فيه ، وأغناك الله ، فهذا يقع بما نواه ؛ لأنه محتمل له ، وإن لم ينو شيئا وقعت واحدة ؛ لأنه اليقين ، وفي " المغني " و " الشرح " - في : " أنت واحدة " - : يقع واحدة ، وإن نوى ثلاثا ؛ لأنه لا يحتمل أكثر منها ، قال ابن عقيل : وإن الله قد طلقك .

                                                                                                                          ونقل أبو داود قال : فرق الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة ، قال : إن كان يريد أي دعاء يدعو به ، فأرجو أنه ليس بشيء ، فلم يجعله شيئا مع نية الدعاء ، فظاهره : أنه شيء مع نية الطلاق بناء على أن الفراق صريح ، أو للقرينة ، يؤيده ما قاله الشيخ تقي الدين في : إن أبرأتني ، فأنت طالق ، فقالت : أبرأك الله مما يدعي النساء على الرجال ، فظن أنه يبرأ ، فطلق [ ص: 277 ] قال : يبرأ ، أو ظهر أن في كل مسألة قولين هل يعمل بالإطلاق للقرينة وهي تدل على النية أم تعتبر النية ؛ قال في " الفروع " : إن الله قد باعك ، أو قد أقالك ، ونحو ذلك .

                                                                                                                          ( واختلف في قوله : الحقي بأهلك ، وحبلك على غاربك ) الغارب : مقدم السنام ، أي : أنت مرسلة مطلقة غير مشدودة ، ولا ممسكة بعقد النكاح ( وتزوجي من شئت ، وحللت للأزواج ، ولا سبيل لي عليك ) السبيل : الطريق ، يذكر ويؤنث ؛ لقوله تعالى : وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا [ الأعراف : 146 ] وقوله تعالى : قل هذه سبيلي [ يوسف : 108 ] ( ولا سلطان لي عليك ) أي : لا ولاية لي عليك ، والسلطان : الوالي ، من السلاطة وهو القهر .

                                                                                                                          وكذا : غط شعرك ، وتقنعي ( هل هي ظاهرة أو خفية ؛ على روايتين ) أشهرهما : أنها كناية ظاهرة ، جزم بها في " الوجيز " كأنت حرة أو أعتقتك على الأصح فيهما ؛ لأن النكاح رق .

                                                                                                                          والثانية : خفية ؛ لأنه - عليه السلام - قال لابنة الجون : الحقي بأهلك متفق عليه ، ولم يكن ليطلق ثلاثا لنهيه عنه ، وكاعتدي ، واستبرئي ، والحقي بأهلك - على الأصح فيهن ، وجعل أبو بكر : لا حاجة لي فيك ، وباب الدار لك مفتوح - كأنت بائن ، وفي الفراق والسراح وجهان .




                                                                                                                          الخدمات العلمية