السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
أود أن أشكركم على جهودكم في هذا الموقع الإسلامي الرائع، وآسفة إن كنت أثقلت عليكم بكثرة أسئلتي، ولكني لم أجد بدا من أن أسألكم بعد طول معاناة.
كنت يا سيدي قد سألتكم في استشارتين سابقيتين الأولى برقم (55054) والثانية بعد أن عاد بعد غياب أكثر من شهر وقد أجبتموني بما يثلج صدري.
ولكن المشكلة أنني لم أنساه إلى الآن رغم أني أتمتع بإرادة قوية ولله الحمد، ورغم أني استخرت الله ودعوته في صلاتي أن يصرفه عني ولكن الذي حدث أنني رفضته بعد أن عاد لأني رأيت أنه كما تفضلتم ونصحتموني بأن الحياة معه ومع أهله لن تكون سهلة أبدا، واقتنعت برأيكم ورفضته، ولكن الذي حدث أنني أولا لم أنقطع عن التفكير بكل ما حدث، وثانيا لم أستطع أن أقبل بغيره إلى الآن، وبعد مرور أربعة أشهر على رفضي الثاني له، والسبب الثالث والأهم: أنه يتقرب كثيرا من عائلتي بشكل غير طبيعي، وخاصة من أخي وابن عمي وخالي، ولا أحد يدري ماذا يريد لأنه لا يذكرني عندهم أبدا، ولكن من الواضح أنه يريد أن يكسبهم ولست أدري لم؟!
قد يكون لمجرد أنه يريد إصلاح ما كسر بينه وبين أهلي باعتبار أننا من بلدة واحدة، وقد يكون أنه لم ينس، وبدليل أنه لم يخطب إلى الآن.
المهم يا سيدي أنني أفضل أن أنسى لأني لن أقبل بأن أعود أبدا بعدما حدث، ولن أعيد الكرة أبدا بأن أسأله أن يعود كما فعلت، ولكنه لا يعطيني المجال لكي أنسى، فكلما أتعود على فكرة نسيانه يذكروا أمامي بأنه قد زار أحد أقربائي فأعود لتذكره بشكل لا إرادي رغم أنه لا يسألهم عني أبدا، ولكن لا معنى لتصرفاته سوى أنه ينتظر منا شيئا، أليس كذلك؟ بالإضافة إلى ذلك فإن أهلي ما زالوا يطمعون بأن يعود لحبهم له ولا يتصورون فكرة أن يتخلى عني أو أن أتزوج بغيره.
أرجو أن تزودني بالنصائح وبرأيك بكل ما يحدث لكي أستطيع أن أضع حدا لهذه المسألة التي أخذت الكثير من وقتي وفاقت الحد، هل يعقل أن يكون نصيبي بعد كل ما حدث؟! ولكن الله يريد بهذا حكمة هي غائبة عني.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ربى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يقدر لك الخير وأن يرزقك الرضا به، وأن يربط على قلبك، وأن يخرجك مما أنت فيه بفرج عاجل من عنده وخلف صالح من لدنه، إنه جواد كريم.
أما عن سؤالك الأخير برسالتك: هل يعقل أن تكوني من نصيبه بعد كل ما حدث؟ أقول لك: نعم، فإن الذي يعلم السر وأخفى هو الله، وكم من علاقات ومعضلات بدت في أول الأمر مستحيلة الحل ثم حلها الله مع الأيام، وكم من علاقات كانت قائمة على البغض والكراهية بل والحروب والدمار أحيانا يحولها الله بقدرته إلى علاقات مودة ومحبة، فقدرة الله لا منتهى لها، ولا يتصور أحد من الناس مداها، وكل شيء يقع في هذا الكون يقع بحكمة وعلم، فلا يقع في ملك الله إلا ما أراد الله، ولذلك أمرنا الله أن نسأله الخير كله، وأن نلح عليه في الدعاء؛ لأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك نحن نتعامل مع الظاهر فقط، أما البواطن فلا يعلمها إلا الله، فنحن نحكم على الظاهر أما الباطن فهو لله وحده، ولذلك أقول لك: نعم ممكن، ولكن كونه ممكن لا يلزم من ذلك أن يحدث، فهناك عوامل يمكننا بها أن نرد هذا القضاء والقدر مثل الدعاء كما ذكرت.
وأما عن كونك لم تنسيه إلى الآن فهذا شيء طبيعي، والمسألة تحتاج إلى مزيد من الوقت؛ لأن الذي بني في سنوات لا يمكن هدمه في لحظات، ولذلك نجد أن بعضا من الصحابة استغرق إسلامهم فترة طويلة من الزمن حتى من الله عليهم بالهداية، ولا يعقل أن يظل الإنسان يمارس سلوكا معينا لفترة طويلة من الزمن ثم يتخلى عنه كليا في لحظة واحدة أو يوم واحد، وإنما لابد من فترة من الزمن خاصة وأنك لم ترتبطي بغيره إلى الآن؛ لأن الارتباط سيقلل من مساحة الفراغ التي تعود منها الذكريات من اللاواعي إلى الواعي .
وكونك لم تتمكني من قبول غيره إلى الآن فهذا مؤشر قوي على أنك ما زلت متعلقة به، فقلبك في واد وعقلك في واد آخر، وأتخيل أن المعركة ستحسم لصالح القلب؛ لأن الناس وللأسف تمشي بقلوبها أكثر مما تمشي بعقولها إلا القليل النادر، ولقد جعل الله العقل حكما ورئيسا للجوارح، إلا أننا كثيرا ما نخالفه، وهذه نقطة ضعفك أنك في حيرة ما بين عقلك وقلبك، فعقلك يقول: لا بصوت مرتفع؛ لأنه يحلل المواقف ويستخلص النتائج، أما قلبك فيقول: نعم؛ لأن العلاقة والعاطفة ملأته فترة من الزمن ويصعب عليه أن يتخلص منها إلا بعزيمة وإرادة أقوى مما أنت عليه، والذي يساعد القلب أن الرجل ما زال يحوم حولك، وتأتيك أخباره فتحرك سواكن النفس وتهيج مشاعر الود والمحبة، حتى وإن حاولت مقاومتها، نعم أنا معك أنك تقاومين ولكن مقامة المستسلم الذي يدعو آسره للإمساك به والانقضاض عليه.
ولذلك إذا كنت جادة فعلا في عدم الارتباط به يلزمك أمران:
الأول: عدم رفض من يتقدم إليك إذا كان مستوفيا للشروط الشرعية والنفسية؛ لأن الحديد لا يفله إلا الحديد.
الثاني: الاجتهاد في المقاومة وملء الفراغ بأي شيء هادف آخر، مثل الإقبال على حفظ القرآن، والاجتهاد في طلب العلم الشرعي أو غيره، أو الانخراط في أي عمل جماعي هادف مما يقلل لديك من فترة الفراغ التي يستغلها القلب ليعكر عليك صفوك ويعيد إليك الذكريات السابقة.
ليس الأمر سهلا، وكذلك ليس مستحيلا، وإنما على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وعلى قدر الفعل يكون رد الفعل.
فإما أن تتركي المقاومة وتدعي الأمر لله وتحاولي نسيان ما مضى وتقبلي به إن عاد إليك مصححا لما مضى وبشروطك وهذا ممكن، وإما أن تغلقي الباب نهائيا وتواصلي المقاومة، ولابد لك وأن تنتصري في النهاية ما دمت متوكلة على الله آخذة بأسباب النصر.
أكثري من الدعاء والإلحاح على الله أن يقدر لك الخير، صومي وأكثري من الدعاء وأنت صائمة لأن للصائم دعوة لا ترد، قومي من الليل لأن سهام الليل لا تخطئ، سل الله الخير حيثما كان وسليه أن يرزقك الرضا به، فنحن عموما لا ندري أين يكون الخير.
مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسداد إلى ما ينفعك في الدنيا والآخرة، والله الموفق.