السؤال
أنا شاب في مقتبل العمر، مارست بعض المعاصي والأفعال المحرمة، وكان ذلك قبل معرفتي بمدى فظاعة ودنو هذه الأفعال والمعاصي، وذلك لعدم وجود وعي ديني، كما يقول البعض: (احنا لسه شباب نعمل أي حاجة عيزنها وما فيش حاجة حرام) ولكن فعلتها وأنا أعرف أنها مجرد ذنب ولا تدخل تحت نطاق الكبائر، مع العلم بأنني الآن منتظم في تأدية الصلاة وقراءة القرآن، ولكن بداخلي خوف ورهبة من الله عز وجل.
والسؤال هو: كيف سأواجه الله عز وجل يوم العرض عليه؟
أرجو إراحة قلب أخيكم المذنب.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ A. r حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله العظيم أن يتوب علينا وعليكم، وأن يوقفنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
إن باب التوبة مفتوح لن يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، أو يصل الإنسان إلى حالة الاحتضار، ورب العزة والجلال يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويفرح سبحانه بتوبة عبده حين يتوب إليه، ولن يستطيع أحد أن يحول بينك وبين رحمة الرحيم سبحانه، فعليك بالصدق في توبتك، والإخلاص في أوبتك، وإذا علم الله منك التوجه والإنابة إليه قبلك وبدل سيئاتك حسنات، قال تعالى: (( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ))[الفرقان:70].
ولا تستمع لأقوال الغافلين من الشباب، فليس للموت عمر محدد، وكم من الشباب قد سكن القبور، والسعيد من وعظ بغيره ورزق قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، أو مات على طاعة، والمهر الذي تقدمه دليلا على صدق التوبة هو الاجتهاد في الطاعات، والاستفادة من فترة الشباب، كما قالت حفصة بنت سيرين رضي الله عنها: (يا معشر الشباب عليكم بالاجتهاد في الطاعات، فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب) ولكن عدونا اللدود الشيطان يخدع الشباب بالفتوة، ويفسح له في الأجل ليوقعه في الغفلة والعصيان وإدمان المخالفات، وهذا يوصل إلى سوء الخاتمة والعياذ بالله.
والمؤمن لا ينظر إلى صغر المعصية، ولكن يتذكر عظمة من يعصيه، والسيئة تجر إلى مثلها، وكذلك الحسنات، فاعمل الخير واعقد نية الخير، واسأل الله الثبات والسداد.
ومما يعينك على الاستمرار في الخير الابتعاد عن أصدقاء السوء، وهجران بيئة المعاصي، والتخلص من ذكرياتها، وابحث عن إخوة يذكرونك بالله إذا نسيت، ويعيونك على طاعة الله، واحذر من أن تذكر خطايا الأمس على سبيل الافتخار، فكل الناس معافى إلا من يجاهر ويفاخر بعصيانه ويهتك الأستار وقد ستره الله والعياذ بالله، وإذا ذكرك الشيطان بأيام الغفلات فجدد التوبة واستغفر الله لتغيظ العدو، واجتهد في الطاعات، وسارع إلى الخيرات، واحرص على الاستقامة، وانتظر من عند الله ما يسرك، فهو القائل سبحانه: (( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ))[طه:82].
ولا شك أن انتظامك في أداء الصلوات وتلاوة القرآن من علامات القبول بإذن الله، فإن من علامة قبول التوبة والطاعات المتاجرة في الحسنات، ومن علامة قبول الحسنة ما يتلوها من حسنات وخيرات.
واعلم أنك تعبد ربا كريما رحيما توابا غفورا، فلا تيأس من رحمته سبحانه، وتذكر أن الخوف والرجاء للمسلم كالجناحين للطائر، ولا يستغني الطائر عن أحد جناحيه، وكذلك المؤمن لابد له من خوف ورجاء، ومن الخير للإنسان أن يزيد جرعة الخوف في أيام العافية؛ لأن (من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل)، فإذا جاءت لحظة الموت فما ينبغي أن يموت الإنسان إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى، كما قال معاذ رضي الله عنه وهو من فقهاء الصحابة: (اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك).
نسأل الله الذي سترنا في الدنيا أن يغفر لنا ويرحمنا يوم العرض عليه، وأسأل الله لك السداد والتوفيق، وبالله التوفيق.