السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوعي باختصار: أنا من أسرة كريمة وذات مكانة اجتماعية كبيرة في المدينة التي نعيش فيها، وأنا أوسط إخوتي، وكلنا تزوجنا عدا أخي الصغير فما يزال يعيش مع أبي الذي طلق آخر زوجاته حيث سبق له أن تزوج من أكثر من 15 سيدة، وهو يعيش الآن وحيدا مع أخي والخادمة!
المشكلة هي أن أبي لا يصلي تكاسلا منه وليس كفرا بها، لذلك أرجو منكم التكرم بتوجيهي بكيفية أنصحه وإرشاده وحثه على الصلاة بشكل لا يجعله يغضب مني أو يجرح مشاعره، مع العلم أن أبي يحب النقاش، ولا يحب من يعارضه كثيرا أو يلح عليه في الطلب.
جزاكم الله كل الخير.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ كلثوم حفظها الله!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
نسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك ويلهمنا جميعا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
إننا سعداء جدا بمشاعرك الطيبة تجاه والداك وبحرصك الشديد على هدايته، ونسأل الله أن يرزقك بره وأن يوفقه للمواظبة على الصلوات والحرص على الطاعات، ولابد للإنسان إذا أراد النصح لأحد والديه أن يكون رفيقا لطيفا مؤدبا ينتقي العبارات ويبحث عن أفضل اللحظات، وأسوتنا في ذلك خليل الرحمن عليه وعلى نبينا صلاة الله المنان، وقد نقل لنا القرآن ذلك الأسلوب البديع في النصح لأبيه آزر فقال سبحانه: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا) [مريم:41-45].
تأملي لطفه وأدبه وتكراره للكلمة، يا أبت...مع خوفه عليه وشفقته وحرصه على هدايته والاجتهاد وفي إقناعه.
على كل من يريد أن يقدم النصح لوالديه أن يراعي ما يلي:-
1- المدخل الحسن، كأن تقولي له يعجبني فيك كذا وكذا وأنا فخورة بكونك والدي، وهناك شيء بسيط إذا لاحظته فسوف تكون في غاية السعادة إلا وهو أمر المحافظة على الصلوات.
2- اختيار الكلمات اللطيفة، فإن الله بعث موسى عليه السلام إلى فرعون فقال سبحانه: (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)[طه:44].
3- اختيار الوقت المناسب، فلا يجوز أن ننصحه في حال الغضب أو الجوع أو الانشغال.
4- أن يكون النصح بعيدا عن الناس، وأحسن الشافعي حين قال:
تعمدني بنصحك في انفراد *** وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع *** من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري *** فلا تجزع إذا لم تعط طاعة.
5- أن نقدم بين يدي النصحية نوعا من البر والإحسان والوفاء والإكرام، فإن النفوس جبلت على حب من يحسن إليها وأحس من قال:-
أحسن إلى الناس تستعطف قلوبهم *** فطالما استعطف الإحسان إنسانا
6- استخدام طريقة الحوار اللطيف والتوقف إذا ظهرت علامات الغضب، مع ضرورة مراعاة فارق السن والحرص على بقاء مظاهر الود والاحترام.
7- عدم إظهار الأستاذية والتعالي وهذا لا يجوز مع أي إنسان فكيف إذا كان المنصوح أبا أو أما.
8- وضع كتيبات ومطويات وأشرطة في متناول يده دون أن تطلبي منه الاستماع أو القراءة والحرص على أن تكون الموضوعات متنوعة مع التركيز على الأشرطة التي تخوف من معصية الجبار سبحانه، وتبين عقوبة تارك الصلاة.
9- الاستعانة بكبار السن المصلين العقلاء من أرحامك وأهلك ويفضل أن يكونوا ممن يحبهم ويحترمهم.
10- تحريض الأخيار على زيارته خاصة في الأوقات التي تسبق مواعيد الصلوات حتى يتشجع بذهابهم للصلاة وحرصهم عليها.
11- ولابد أولا وأخيرا من الإخلاص في النصح والحرص على أن يكون الدافع لذلك الخوف من الله وليس الخوف من كلام الناس.
12- أن تحرصي على الدعاء لوالدك ليلا ونهارا، واختاري أوقات الاستجابة، فإن المسلم إذا أراد أن يدعو إنسانا إلى الله يدعو له ثم يدعوه إلى الله، فإن الهداية بيده سبحانه.
والله ولي التوفيق والسداد!