السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا طالب أدرس في أوروبا حيث معي منحة من الحكومة الأوروبية، مشاكلي كثيرة ومن أهمها: عدم قدرتي على الزواج، مع العلم أنني خاطب بنتا قريبة لي من دوله عربية، وقد قمت بالسنوات الماضية بتوفير مبلغ من منحتي لكي أستطيع الزواج، مع العلم أن المبلغ الذي جمعته لا ينفع بشيء، ولكن جمعته بتعبي وتوفير لكل يورو، وأردت أن أقوم بمشروع حتى يوفقني الله وأعمل شيئا، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن حيث أنني خسرت كل مالي ولم يبق معي شيء.
البنت تنتظر أن أحدد موعد زواجي منها، ولكن ليس عندي القدرة على الزواج، وأنا أعتبر خطبتي غلطا بغلط، وسبب خطبتي لها هو أن نتزوج ونقوم بالعيش هنا بأوروبا حتى يبعدني الله عن الحرام، والسبب الآخر هو أنني كنت على صلة حب مع تلك الفتاة القريبة.
بعد سنوات من تجنب المعاصي، وبعد وصفي من جميع أصدقائي بأنني حقا إنسان مسلم بمعنى الكلمة، والجميع كان يفتخر بأخلاقي حيث كنت أصلي وأقوم الليل وأصوم بشكل مستمر، يوما ما جاءت بنت لزيارتي بالبيت وهي إحدى الفتيات من صديقاتي، وأنا هنا مجبر أن يكون لي صديقات نظرا للمجتمع الذي أعيش به، ومع أنني كنت ملتزما جدا إلا أن هذه الزيارة كانت القاضية، حيث استفزتني هذه البنت بجسمها وجمالها، ومع العلم أنه لم تكن هذه المرة الأولى التي تزورني بها بنت، حيث إنه أحيانا كانت تلتقي عندي بالبيت أكثر من فتاة، وكان بعضهن يسهرن عندي للصباح وقت الإجازات، ومع الإغراءات الشديدة منهن إلا أنه لم أفعل شيئا معهن.
ولكن تلك الفتاة الأخيرة لم أستطع الصمود أمامها؛ لأنها تحرشت بي بنفسها ولم تنتظر حتى أبدأ أنا، وقمت قبل لمسها بثوان بقراءة القرآن والدعاء، ولكن ـ للأسف ـ وقعت معها وبنفس الوقت كنت خائفا جدا من الله حيث إنني لم أستطع عمل شيء كبير معها؛ لأنه سيطر على عقلي أن هذا حرام، وكان كل تفكيري بالله وليس بها، وبعد ذلك طلبت مني موعدا آخر وأتصل بها، ولكني طردتها.
أنا نادم على فعلتي هذه أشد الندم؛ لأنني دمرت كل مقاومتي وصبري بساعة واحدة، وأشعر أن سبب خسارتي لكل مالي هو ذلك حيث إن الزنا والغنى لا يلتقيان، الآن أصبحت لا شيء، حيث إن المنحة قد توقفت ولا أجد عملا وليس معي شهادة، وبلدي الأصلية بها حرب، وليس بها عمل، وأهلي لا يستطيعون أن يصرفوا على أنفسهم حتى يستطيعوا أن يصرفوا علي لأكمل دراستي، وليس عندي بيت للزواج، وما عندي مال له.
أنا أعترف أنني ارتكبت معصية من الكبائر، ولكن هناك من يعيش بدولة مسلمة ويرتكب كل يوم الكبائر وهو غرقان بها، لماذا هدم الله تعالى حياتي جميعها بسبب هذا الخطأ الذي قمت به مرة واحدة وبكيت ليال بسببه وطلبا من الله المغفرة!؟ الآن ماذا أفعل؟ هل أترك خطيبتي نظرا لأنني لا أملك شيئا من أجل زواجي بها أم ماذا أفعل، وهي تنتظرني يوما بيوم؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلا وسهلا ومرحبا بك في موقعك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله جل وعلا أن يتوب عليك وأن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك وأن يجمعك بخطيبتك في زواج مبارك قريبا .
وبخصوص ما ورد برسالتك، فالذي أتصوره أنك الآن في أمس الحاجة إلى ترتيب أولوياتك بحسب ظروفك الحالية التي تعيشها، وأن تبدأ بالأهم فالمهم وضع يدك في يدي لنبدأ بذلك.
أولا: وجوب التوبة والإقلاع عن المعاصي والندم على فعلها وعقد العزم على عدم العود إلى مثل هذه المعاصي مهما كانت الظروف والإغراءات.
2- ألا تعتبر وقوع غيرك في المعاصي ذريعة لاستمرارك في المعصية فإن هذا مبدأ ساقط ومرفوض شرعا وعقلا؛ لأن الأصل في المسلم الصلاح والاستقامة والتزام شرع الله والحرص على مرضاته وأن يحب للناس ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكرهه لنفسه.
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع لنا قاعدة الموازنة العامة للسلوك وهي: أن ننظر في مجال الفقر والغنى إلى من هو أقل منا، وقطعا سنجد كثيرا ظروفهم أسوأ من ظروفنا بكثير جدا سواء في ناحية الغنى والفقر والصحة والمرض أو الجمال والدمامة، فإنه مما لا شك فيه أن هناك الكثير والكثير ظروفهم أسوأ من ظروفك بمراحل إلا أنهم يعيشون وينامون ولا يستسلمون ويجتهدون في إصلاح واقعهم وقطعا أنت لست أقل منهم.
وعلى الجانب الآخر نجد الإسلام يحثنا أن نتأسى بالصالحين وأن نقتدي بهم وأن نحاول الوصول إلى ما صلوا إليه وأن ننافسهم في العمل الصالح حيث قال سبحانه: ((فاستبقوا الخيرات))[البقرة:148] وقال: ((وسارعوا إلى مغفرة من ربكم))[آل عمران:133]، فلا يجوز لنا ـ أخي محمد ـ أن نقلد الناس في الكفر والفسق أو المعاصي وإنما علينا أن نجتهد في الصلاح والإصلاح وطلب الهداية والاستقامة.
4- كونك تقول بأن هؤلاء العصاة لم يحدث لهم ما حدث لك من عقاب عاجل أقول لك هذا حكم عشوائي وغير دقيق ويقوم على الظاهر وخاصة وأنك قطعا لم تسأل هؤلاء عن ظروفهم وأحوالهم لتعرف هل هم سعداء أم لا، وهل هم أصحاء أم لا، فهذه أمور يصعب الوقوف عليها بدقة!
5- هناك احتمال وارد ألا يتعرض هؤلاء للعقاب العاجل في الدنيا، وهذا يحدث كثيرا، ولكن هل تظن أنهم سيفلتون من عقاب الله في الآخرة؟ قطعا هذا مما لا يتفق مع عدل الله وشرعه الذي قرر في كتابه: ((فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره))[الزلزلة:7-8]، ثم ألم تسمع من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه حتى يوافي بذنبه كاملا يوم القيامة" قل لي بربك أيهم أشد عذابا وإيلاما عذاب الدنيا أم عذاب الآخرة!؟
ثم لماذا تنظر إلى هذه التغيرات التي أنت سببها ولم تنظر إلى الإيجابيات وعشرات النعم التي ظلت معك ولم يسبلها الله منك بسبب معصيتك؟ ألم تنظر إلى صحتك وعافيتك وعينك وسمعك وعقلك وسائر هذه النعم العظمى التي لم يعاقبك الله فيها، وإنما تنظر فقط لبعض التغييرات التي أنت السبب الرئيسي فيها؟ عد إلى رشدك وانظر إلى فضل الله عليك وقطعا ستجد أن فضل الله عليك عظيم.
6- ما المانع من تأجيل زواجك حتى تكون مهيئا لذلك وهذا قطعا هو أفضل الحلول، بدلا من أن تدخل بالفتاة وأنت لا تملك قوت يومك وعندها قد تصبح هي مشكلة أخرى إلى جوار مشاكلك الحالية؟ أتصل بها أو بأهلها واشرح لهم ظروفك وأنه ليس بمقدروك الزواج الآن وأن الأمر لهم فإن شاءوا أن يصبروا عليك حتى تتحسن أوضاعك، وإن شاءوا فسخوا الخطوبة لتتزوج بمن ترغب هي وأهلها في الزواج منه لاحتمال أن ظروفهم لا تحتمل التأخير، فاعرض الأمر عليهم بصراحة ووضوح، وهذا شأن المؤمن الصادق الراضي بقضاء الله وقدره.
حاول البحث عن عمل مناسب لا يتعارض مع الشرع واجعله لفترة مؤقتة ثم انزل بعد ذلك إلى بلدك لتعيش في بلاد الإسلام لأن الإقامة في بلاد الكفرة لغير حاجة شرعية محرمة شرعا، فاجتهد خلال هذه الفترة في البحث عن عمل مناسب وابدأ مرحلة الادخار مرة أخرى وضاعف الجهد حتى تتخلص من الفقر والغربة والعزوبية في وقت واحد، واعلم أن المسلم لا يعرف الهزيمة ولا الاستسلام، وإنما يأخذ بالأسباب ويواجه الأعاصير والتحديات معتمدا على الله وحده متوكلا عليه، وأنا شخصيا واثق من قدرتك على ذلك فثق بالله ثم بنفسك، وشمر عن ساعد الجد، واحرص على طاعة الله، واحذر معصيته وسترى خيرا كثيرا.
والله ولي التوفيق والسداد!