بعد موت أمي لا أستطيع أن أعيش حياتي بصورة طبيعية

0 1150

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

أمي ماتت منذ 8 شهور، وإلى الآن عيني لم تجف من البكاء عليها، أتذكر تفاصيل موتها ولحظة خروج الروح منها، وأتذكر دائما التابوت الذي جاءت فيه، صورتها لا تفارق خيالي، أدعو لها دائما, وصارت الحياة لي متاعا وليس لها معنى، أتمنى أن أموت وألحقها، أشتاق لها جدا، أريد أن أراها، لا أستطيع أن أعيش حياتي بصورة طبيعية، أراها دائما أمامي، صورتها لا تفارق خيالي، وذكرياتي معها دائما أمامي، أمي بموتها كسرت ظهري.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ابتسام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر لوالدتك، وأن يسكنها الفردوس الأعلى، وأن يحسن عزاءك، وأن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة، وأن يربط على قلبك، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يلهمك الصبر والسلوان، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك أختي الكريمة الفاضلة، فلا شك أختي الكريمة الفاضلة أن كله حق، وكلما كانت العلاقة قوية بين طرفين كلما كانت آلام الفراق أعظم وأشد، خاصة إذا كان هناك نوع من التفاهم والانسجام، ونوع من المحبة العميقة القوية، وبالأخص أيضا إذا كان المفارق الوالدة؛ لأن الوالدة بطبيعتها يميل إليها أبناؤها أكثر من الوالد في معظم الأحايين، ولها منزلة عظيمة لدى أبنائها في الغالب، خاصة إذا كانت بارة وحنونة وعطوفة وحليمة، إلى غير ذلك من الصفات الرائعة التي تتمتع بها الأمهات الطبيعيات.

ومن هنا فإني أقول لك أختي الكريمة: كان الله في عونك، وأحسن الله عزاءك، وغفر الله لميتك وأسكنها الفردوس الأعلى، ولكن هل تظنين أن ما أنت فيه الآن سوف يغير من واقع أمك شيئا؟ فأمك قد رحلت إلى الله تعالى وهي الآن في قبرها في أمس الحاجة فقط إلى دعائك والإحسان إليها، أما قضية البكاء وقضية الحزن وقضية الألم وتمنيك الموت واللحاق بها فهذه كلها قد تؤلمها حقيقة ولا تسعدها، لأن الميت في قبره يتأذى بما عليه الأحياء، ولعله يتألم، ولعل أمك الآن تتألم ألما عظيما لهذه الآلام التي تحيط بك، وإذا كنت فعلا تحبين والدتك وتتمنين لها الخير فأنا أتمنى أن تعودي إلى حياتك الطبيعية، وأن تعلمي أن الذي حدث لها كان لا بد أن يحدث، سواء شئنا نحن أم أبينا، لأن الله قال لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: {كل نفس ذائقة الموت}، وقال له أيضا: {إنك ميت وإنهم ميتون} وقال كذلك: {كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} والإنسان منا ينبغي عليه أن يعلم بأن هذه الحقيقة لا يجوز أبدا كتمانها ولا نكرانها، لأن الموت مع الأسف الشديد هو الحقيقة التي يتنصل منها الإنسان ولا يريد أن يعترف بها، بل ولا يريد أن يفكر فيها، رغم أنها محدقة به لا محالة.

فالذي يحتاجه الميت من الحي إنما هو الدعاء والأعمال الصالحة، إذا استطعت أن تقدمي لها بعض المعروف أو الإحسان، كأن تقومي بحفر بئر لها، أو مساهمة مثلا في شراء بعض المصاحف وتوزيعها في بعض بلاد العالم الإسلامي الفقير، أو مثلا مساهمة في مسجد من المساجد، أو غير ذلك من أعمال البر التي ثبت في السنة أن أجرها يصل إلى الموتى، فهذا شيء حسن ومطلوب، وهذا هو الذي ينفعها، أما ما أنت فيه فينبغي عليك أن تعيدي النظر فيه؛ لأنه يزيد والدتك ألما ولا ينفعك بشيء ولا ينفعها أيضا بشيء، ولا بد أن تنخرطي في الحياة وأن تعودي إلى حياتك الطبيعية، وأن تجتهدي في مسألة النسيان، أنا أعلم أن الأمر صعب، ولكنه سيأتي عليك يوم تنسين يقينا، لأنه كما قيل:
وما سمي الإنسان إنسانا إلا لنسيانه، ولا القلب قلبا إلا لأنه يتقلب

فالنسيان سوف يأتي؛ لأن النار دائما مهما اشتدت ومهما اشتعلت تتحول إلى رماد، وأي حدث مهما صار فإنه يتحول إلى الذاكرة بعد فترة من الزمن، ولكننا أحيانا نظل نستصحبه كلما فكرنا فيه، ولذلك فإنه يظل مهيمنا ومسيطرا على حياتنا، أما لو حاولنا إبعاده شيئا فشيئا فإنه يتحول إلى ذاكرة، خاصة وأن وجوده يؤلم، فقد تكونين متزوجة - ولم تذكري ذلك عن حياتك الزوجية - وقطعا يتأثر زوجك وأبناؤك بذلك، لأنه عندما يرى الرجل امرأته دائما في حالة حزن دائم وبكاء مستمر، فإنه قد يملها وأنت بذلك تؤذين والدتك بهذا التصرف، وقد تكونين غير متزوجة فرضا، وأنت بذلك تحطمين نفسك، وهبي أن هناك أحدا يريد أن يتقدم إليك خاصة وأن العدة قد انتهت، لأن عدة والدتك بالنسبة لك لا تزيد عن ثلاثة أيام، والآن وصلنا إلى الشهر الثامن وأنت مازلت تعيشين نفس الحدث ونفس الموقف ونفس الوقت ونفس الظروف، وهذا كله بارك الله فيك ليس في صالحك أختي الكريمة (ابتسام).

عليك أن تتوجهي إلى الله بالدعاء أن يعينك الله على نسيان هذا الحدث، وأن تجتهدي لأمك في الدعاء أن يجعلها الله من أهل الفردوس الأعلى، أعلم أن الأمر ليس سهلا ولكنه لا بد أن يكون، لأن العيش في هذه الذكرى بهذه الصورة سيقضي عليك أنت، ويا ليتك مثلا تفكرين بأن الموت راحة، والذي يستريح بعد الموت إنما هو من أحسن العمل في الحياة، والذي يجعل الله قبره روضة من رياض الجنة هو صاحب الأعمال الصالحة، صاحب الطاعات والعبادات الكبرى، أما نحن معاشر الأحياء لدينا من التقصير ما الله به عليم، فبدلا من أن نقضي أوقاتنا في العيش في جو الحزن الكئيب هذا، فما المانع أن تبدئي في قراءة القرآن، وطلب العلم الشرعي، والبدء في عمل دعوي؟ اقرئي في سيرة الصالحات من أمهات المؤمنين، زوجات النبي عليه الصلاة والسلام، وصحابة النبي الكرام رضي الله تعالى عنهم وصلى الله عليه وسلم.

ينبغي أن تخرجي من هذا الواقع، وأن تحاولي أن تخرجي ولو إلى بعض الرحلات الخلوية، وأن تغيري الواقع، وأن تحتكي بالناس، وأن تختلطي بهم، وأن تجتهدي في التناسي، لأن النسيان قد يكون صعبا، ولكن هذا كله سيكون في صالحك وصالح والدتك، غفر الله لها وأسكنها الفردوس الأعلى.

مواد ذات صلة

الاستشارات