الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تركت والدتي بحكم الزواج والاغتراب، فكيف أبرها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا امرأة أبلغ من العمر 24 سنة، تُوفي والدي منذ فترة طويلة، ولي أخٌ أكبر مني بسنتين، ووالدتي تبلغ من العمر 66 سنة، مؤخرًا تزوّجتُ وانتقلتُ للعيش خارج البلاد، وأشعر بالحزن لأن والدتي أصبحت تعيش وحدها، خاصةً وأن أخي يعمل بعيدًا عن المنزل، وهو غير مسؤول ولا يهتم بها كما ينبغي، ولا يجلس معها كثيرًا، وأشعر بتأنيب الضمير.

سؤالي: هل أُعتبر مقصّرة شرعًا أو آثمة، لأني تركت والدتي وحدها؟ وهل سأُحاسب على ذلك؟ رغم أنني أتواصل معها وأحاول أن أبرّها حسب قدرتي من بعيد.

شكرًا مسبقًا على ردكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Moon حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك في إسلام ويب، ونسأل الله أن يربط على قلبك، ويجزيك خيرًا على برّك بأمك وحرصك على مرضاة الله.

أولًا: حالتك كما وصفتها:
أنت ابنةٌ بارة، تشعرين بالذنب، لا عن تقصير حقيقي، ولكن عن حبٍّ صادق لأمك، وحرص على رضاها ورضا ربك، وزواجك وانتقالك خارج البلاد ليس معصية، ولا يُعد عقوقًا ولا تقصيرًا، خاصة وأنت تتواصلين مع والدتك، وتُحسنين إليها قدر استطاعتك.

ثانيًا: الواجب الشرعي في برّ الوالدة:
برّ الأم لا يسقط بالسفر أو الزواج، بل يتأكّد ويزداد، لكنّه يراعى فيه القدرة والظروف، قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، وما دمت تتصلين بها وتطمئنين عليها باستمرار، وتحرصين على إرسال المال أو الهدايا لها بحسب الاستطاعة، وتُشعرينها بأنها حاضرةٌ في قلبك رغم البُعد، وتسألين عنها وتوجّهين أخاك -ولو بالتذكير والمناصحة-، فأنت مأجورة -بإذن الله-، ولست آثمة.

ثالثًا: من المُقصّر؟
إن كان أخوكِ قادرًا على أن يجلس مع والدتكما، ويقوم بخدمتها، ثم لا يفعل، فهو المُقصّر، وعليه أن يتذكّر أن رضا الله في رضا الوالدين، وأن برّ الأم لا يُعوّضه شيء، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رَغِم أنف، ثم رَغِم أنف، ثم رَغِم أنف من أدرك والديه عند الكِبَر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة"، فذكّريه بلطف، وادعي له، واعملي ما تستطيعين تجاه والدتكِ، من الحديث معها والاطمئنان عليها، وكذلك نصح أخيكِ بالمعروف والمودّة، فإن قصّر هو، فلستِ مسؤولة عن تقصيره.

رابعًا: ما الذي يمكنكِ فعله الآن؟
- اجعلي لها وقتًا ثابتًا يوميًا أو أسبوعيًا للاتصال، ولو قصيرًا، لكن دائمًا.
- رتّبي لها زيارة أو سفرًا إليك إن أمكن، مع التنسيق مع زوجك.
- أرسلي لها ما يُدخل السرور على قلبها، من هدايا، تسجيل صوتي، صور أبنائك.
- حفّزي من حولها، مثل: الجيران أو القريبات ليزوروها.
- أكثري من الدعاء لها، فذلك من البر أيضًا.

وأخيرًا: تأنيب الضمير في حالك هو علامة حياة القلب، لا علامة الإثم، فلا تدعيه يُثقلكِ، بل اجعليه دافعًا للمزيد من البر.

نسأل الله أن يرضى عنكِ، ويبارك في أمك، ويجعلك من البارّات السّعيدات في الدّنيا والآخرة، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً