السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا فتاة أعاني من مرض أصاب الحبل ألشوكي، وبالتالي أدى إلى إصابتي بعدم التحكم في الخارج من السبيلين مدى الحياة.
حاليا أعاني من نقص عاطفي شديد، وعمري 22 سنة، ولا أحس نفسي أنثى بأي شكل، وأخاف من اللحظة التي يسألني الجميع لماذا لم أتزوج، أحس بألم ونقص عاطفي من الآن، ولا أدري ولا أتخيل كيف ستكون قسوة الوضع غدا.
متألمة كثيرا كيف سأستطيع العيش مع هذه الفتن، والرغبة والفطرة الطبيعية في داخلي، ورغبتي أن أكون زوجة أو أما في ظل أنني لن أستطيع الزواج أبدا، لا أخفيكم أنني تورطت في علاقة عاطفية غير مقصودة عن طريق أحد المنتديات، ولكن بعد سنة منها قررت تركها لوجه الله؛ حيث إنني لم أكن مقتنعة بطبيعة العلاقة، لكن ذلك سبب ألما نفسيا شديدا، وفراغا عاطفيا كبيرا أعاني منه الآن، إضافة إلى ابتلائي الأكبر بكوني لن أتمكن من الزواج.
تعبت كثيرا! وتقدمت بطلب الاستشارة هنا لكنني لم أحصل على إجابة كافية تريحني نفسيا وتجعلني أنسى إحساسي كأنثى وأتجرد من عاطفتي.
أخاف كثيرا أن أنجرف في مشاهدة أشياء إباحية لتعويض نقص عاطفتي، وأهرب من الضغط النفسي الذي أحس به، يؤلمني كثيرا ما وصلت إليه، حتى دراستي لم أعد أهتم بها لسببين:
الأول: نفسيتي المتألمة.
والثاني: لكرهي المجال الذي اخترته.
أصبحت الحياة مقفلة في وجهي من جميع الجهات، وأفكر في تناول أدوية نفسية، لكن أخاف أن يزداد الوضع سوءا أسوأ مما هو عليه، رأسي يمتلئ بالأسئلة:
كيف سأحمي نفسي من الفتن؟
كيف سأتخلص من عاطفتي؟
كيف ستكون وحدتي غدا بدون زوج أو أبناء يخدمونني ويرعونني في كبري؟
ماذا سأقول للناس غدا؟
كيف سيكون حالي إذا لم أوفق في مجال عمل أو دراسة أيضا؟
لا حول ولا قوة إلا بالله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عبد الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فمرحبا بك ابنتنا الكريمة في استشارات إسلام ويب، نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى رب العرش العظيم أن يشفيك، ونوصيك أن لا تقنطي من رحمة الله، ولا تيأسي من فضله سبحانه وتعالى، فإنه على كل شيء قدير، خذي بالأسباب التي جعلها الله عز وجل أسبابا للشفاء، كالتداوي بالأدوية النفسية، والإكثار من الرقية الشرعية، فإن الله عز وجل ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء، واعلمي أن لكل أجل كتابا، وأنت في خير كبير، منحك الله عز وجل ما حرم منه كثيرين، فإن البلاء في حق المؤمن منحة، فالله عز وجل عطاؤه متعدد الصفات، فإنه يبتلي أقواما ليكون ذلك البلاء باب خير يسوقه الله سبحانه وتعالى إليهم من حيث لا يحتسبون؛ ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط).
فأنت أيتها الكريمة لعلك ممن أحبهم الله عز وجل فابتلاك، فأشغلي نفسك بهذا الحب، بحب الله تعالى، إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، وهذا البلاء سيزول قريبا أيتها الكريمة، فإن الدنيا قصيرة مهما طالت أيامها، ثم ينتقل الإنسان إلى جنة عرضها السموات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نعيم مقيم، فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وفيها المؤمنون خالدون، فهذا النعيم كله أعده الله عز وجل للصابرين، ونأمل من الله سبحانه وتعالى أن لا يحرمك هذا الأجر، وأن يبلغك هذه المنازل، فاعرفي قدر نعمة الله تعالى عليك، وأنه ابتلاك بشيء ليعوضك أضعاف أضعاف ما فاتك، فأحسني علاقتك بالله، وأشغلي نفسك بحب الله تعالى، فإنه الحب النافع الذي ينال به الإنسان سعادة الدنيا والآخرة.
وكم قبلك من نساء تعلقن بالله تعالى فنسين بسبب حبهن الله تعالى كل محبوب سواه، ومن أشهر ما يذكر في تاريخنا تلك المرأة الصالحة (رابعة العدوية) التي كانت تنشد الشعر المشهور:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
فهذه امرأة بلغ بها حب الله تعالى أنها ترى كل شيء على هذه الأرض تراب، فهذا حال الإنسان حين يعلق قلبه بالله، وليس صحيحا أيتها الكريمة أن الحب في هذه الدنيا حكر على أن تحب المرأة الرجل زوجا أو تحب ولدا، فذاك حب، ولكن هناك حب أشرف منه وأجل إذا عرفته النفوس واشتغلت به عرفت أنه أقدس حب، وهو حب الإله المنعم سبحانه وتعالى، فهذا الحب هو أجل ما ينبغي أن تشغلي به نفسك، فتذكري في الدار الآخرة وما أعد الله عز وجل فيها من النعيم المقيم، وأن المسير إليها قريب، فالجنة أقرب - كما قال عليه الصلاة والسلام - من شراك نعله) فهذا الثواب العظيم قريب قريب.
أشغلي نفسك -أيتها الكريمة- بمناجاة الله تعالى، والإكثار من طاعته، ونوصيك بجملة وصايا: أولها الإكثار من الصيام، فإنه وجاء وتقليل للشهوة، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانيها: الابتعاد عن المثيرات مسموعة كانت أو مرئية.
ثالثها: شغل النفس بالنافع، أشغلي نفسك بما ينفع في دينك ودنياك، فإن النفس إن لم تشغليها بالحق شغلتك بالباطل.
حاولي أن ترتبي أوقاتك فتشتغلين بحفظ كتاب الله تعالى وبتعلم العلم النافع الذي ينفعك.
الوصية الرابعة: نوصيك بالإكثار من مجالسة الصالحات وحضور مجالسهن، فإن مجالسة الصالحين والاشتغال معهم بطاعة الله مما يقرب إلى الله وينسي الإنسان الاشتغال بما سوى ذلك.
أما المستقبل أيتها الكريمة فلا تحملي له هما على الإطلاق، فإن الله عز وجل متكفل بك، وتذكري جيدا أنه رعاك سبحانه وتعالى وأنت في بطن أمك، فأوصل إليك الغذاء والهواء، مع عدم قدرتك على أن تقدمي لنفسك شيئا، فهذا الذي رعاك وأوصل إليك ما تحتاجينه وأنت في هذا المكان المظلم مع شدة ضعفك هو سبحانه وتعالى الذي سيتولى أمرك حين تكبرين وتضعفين، فهو سبحانه وتعالى لطيف بعباده، كوني مع الله يكن معك، وهذه وصية الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال لابن عمه: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك).
فأحسني ظنك بالله وتوكلي عليه، واعلمي يقينا أنه لن يضيعك أبدا، فإنه وعد من يتقيه أن يجعل له من كل هم فرجا، فقال سبحانه: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتولى أمرك وييسر لك الخير حيث كان.