السؤال
السلام عليكم ورحمة الله
لدي مشكلتان:
المشكلة الأولى:
حاولت مرارا وتكرار حفظ القرآن الكريم لكن للأسف يوم يومين وأترك لأني بمفردي، ولا يوجد معي صحبة، وأخاف أن أذهب للتحفيظ خوفا من أن يكون رياء أو ما شابه، لأنه عندنا ينتشر الخبر بسرعة، أرجوكم ساعدوني أريد أن أحفظ القرآن.
المشكلة الثانية:
أريد أن أكون من أهل الجنة، أنا عملت ذنب من فترة طويلة، وأخاف أن توبتي لم تقبل أو لم تكن صحيحة، وأخاف من أن ربي يعاقبني يوم الحساب حتى لو تبت.
أريد أيضا أن أكون إنسانة طيبة يرضى عني الله.
وجزاكم الله خير الجزاء
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليلى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يغفر لك وأن يتوب عليك.
بخصوص ما ورد برسالتك أختي الكريمة الفاضلة من أن لديك مشكلتين: الأولى تكمن في عدم قدرتك على حفظ القرآن رغم حرصك الشديد على ذلك، وذلك نظرا لعدم وجود المعين على ذلك من الصحبة الصالحة وغير هذا. وتقولين بأنك تخافين الرياء عندما تذهبين إلى مراكز التحفيظ. وأما الثانية فإنك قد أذنبت ذنبا كما ذكرت من فترة طويلة وتبت من هذا الذنب، ولكن توبتك يبدو أنها فيها نوع من الضعف كما ذكرت، وتخافين أن يعاقبك الله تبارك وتعالى يوم القيامة على هذا الذنب حتى وإن تبت.
أقول لك بخصوص المشكلة الأولى، فإن قضية الرياء من عمل الشيطان، فإن الشيطان إذا أراد أن يصرف الإنسان عن أي طاعة أو عبادة فإنه يبحث عن وسيلة تكون مؤثرة وفاعلة حتى يقنع الإنسان بالتوقف عن الطاعة، وهاهو الشيطان قد استطاع أن يقنعك بأن الذهاب إلى مراكز التحفيظ يترتب عليه الرياء والنفاق والعجب، وأن الأمر سوف ينتشر بين الناس بسرعة ويقول الناس بأن فلانة تحفظ، هذا كله من عمل الشيطان ولا أساس له من الصحة، لأننا لو أخذنا بهذا الكلام أختي الفاضلة (ليلى) لن نقوم شيئا من الدين أبدا، فالرياء أيضا إذا كان يحدث معك من أجل التحفيظ والذهاب إلى التحفيظ فمن الممكن أن يحدث في المساجد في صلاة الجماعة، وبالتالي نقول للرجال لا تصلون ولا تذهبون إلى المساجد لا في الجمع ولا في الجماعات واتركوا الصلاة في المساجد تماما، هل هذا معقول؟ هل سمعت أن هناك أحد قال بهذا أختي الفاضلة (ليلى)؟ كذلك مراكز التحفيظ التي بها الآلاف المؤلفة من المسلمين رجالا ونساء في أنحاء العالم الإسلامي نقول لهم أغلقوا هذه المراكز خوفا من الرياء؟!
هذا كله أختي الكريمة من عمل الشيطان، ولذلك أنا أنصحك بارك الله فيك: ما دمت لا تجدين صحبة تعينك على مواصلة الحفظ فإنه لا بد لك من أن تنخرطي وأن تنتسبي إلى إحدى هذه المراكز (مراكز تحفيظ النسوية) وأن تتوكلي على الله ولا تلقي بالا لهذا الكلام، ومن الممكن أن تكرري وأن تكثري من الدعاء المأثور عن النبي عليه الصلاة والسلام: (اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم) فإن هذا بارك الله فيك يقطع الرياء تماما بإذن الله تعالى.
إذن هذه مسألة سهلة، ولا ينبغي لك أبدا أن تستسلمي لهذه الترهات التي يثيرها الشيطان في عقلك، لأنها كما ذكرت لك من عوامل التثبيط التي يحرص الشيطان على إثارتها لك حتى لا تحفظي القرآن لأن في حفظك للقرآن نجاتك من عذاب الله تعالى وزيادة درجاتك، وأن تكونين في درجة عظيمة حيث إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أهل القرآن هم أهل الله وخاصته) وقال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وقال أيضا: (صاحب القرآن يشفع لعشرة من أهل بيته) إلى غير ذلك من النصوص العظيمة التي تبين لنا فضل حفظ القرآن في الدنيا والآخرة.
أما عن الأمر الثاني من أنك أذنبت ذنبا فترة طويلة وأن توبتك مازالت ليست مستقرة، فأنا أقول بارك الله فيك: حاولي واجتهدي في أن تكون توبتك توبة نصوحا، والتوبة النصوح كما ذكر أهل العلم لها أركان ثلاثة إذا كانت تتعلق بحق الله تعالى. أما الركن الأول فهو التوقف عن فورا. أما الركن الثاني فهو الندم على فعل هذا الذنب. أما الركن الثالث: عقد العزم على أن لا نعود إليه أبدا. وإذا كان حق من حقوق العباد فينبغي علينا أن نرد المظالم إلى أصحابها، أما إذا كانت من الحقوق التي لا يمكن ردها فعليك فقط بهذه التوبة مع الإكثار من الاستغفار والندم، وأبشري بإذن الله تعالى من أن النبي بشرك بقوله عليه الصلاة والسلام: (من تاب تاب الله عليه).
إذا كانت توبتك توبة نصوحا فعلا فاعلمي أن الله سيقبلها بإذن الله لأن هذا وعد الله، حيث قال الله تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجاهلة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم} هذا وعد الله، والله تبارك وتعالى كما تعلمين أختي الفاضلة (ليلى) إذا وعد وعدا لا يخلفه، قال سبحانه وتعالى: {وعد الله لا يخلف الله وعده} وقال: {وعد الله لا يخلف الله الميعاد}.
لا تشغلي بالك، المهم أن تتوقفي عن الذنب فعلا، وأن تلتزمي بهذه الأركان الثلاثة التي أشرت إليها، وثقي وتأكدي من أن الله تبارك وتعالى إذا علم منك صدق توبة قد يبدل سيئاتك حسنات كما ورد في القرآن الكريم: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}.
وبهذه الطريقة بإذن الله تعالى ستكونين إنسانة طيبة محافظة على طاعة الله، وبالتالي سوف يرضى عنك الله تعالى، لأن الله تبارك وتعالى يرضى عن المؤمنين والمتقين، وأنت الآن من فضل الله تعالى محافظة على طاعة الله، محافظة على صلواتك في أوقاتها على طريقة النبي عليه الصلاة والسلام، صلاة ذات خضوع وخشوع، أيضا بعيدة عن الحرام والمنكرات والكبائر، فوق ذلك أيضا تحافظين على السنن وتحفظين القرآن الكريم، هذه كلها بإذن الله تعالى ستكون عوامل رضى بإذن الله عز وجل وستكون بإذن الله تعالى من أسباب رضى الله تبارك وتعالى عنك.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر ذنبك وأن يستر عيبك وأن يشرح صدرك لحفظ القرآن، وأن يمن عليك بحفظه كاملا، وأن يجعلك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته. هذا وبالله التوفيق.