السؤال
أنا أحب فتاة منذ كنت في الثانوية، وفكرت كثيرا أن أكلمها لكن استحييت أن أفعل ذلك، ومنعت نفسي من أن أكلمها، أو حتى أراها، ومرت الأيام ولم أقدر أن أنساها، لدرجة أني قررت أن أتقدم لها أول ما أقدر أن أتقدم لها، وخصوصا أنها محترمة، وعلى خلق.
أنا الآن في السنة الرابعة الجامعية، وكلمت أهلي في ذلك الموضوع فوافق أبي أنا أتقدم لها، ولكن اكتشفت أنها خطبت قبل أن أفاتح والدي بشهور قليلة أثناء سفري للدراسة، وهي الآن مخطوبة، وأنا أحبها جدا.
سؤالي هو: أن ربنا سبحانه وتعالى لم يقدر لي أن أرتبط بها في الدنيا، فهل ينفع أن تكون هي زوجتي في الجنة؟ فأنا أتمنى أن تكون هي زوجتي في الجنة، وخصوصا أن الله سبحانه وتعالى يقول عن الجنة (فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين).
خصوصا أني أتألم جدا بسبب ذلك الأمر، وأرى أنه صعب جدا أن أحرم من الإنسانة التي أحبها في الدنيا والآخرة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقك في دراستك، وأن يجعلك من المتميزين المتفوقين الأوائل على دفعتك، وأن يمن عليك بزوجة صالحة طيبة مباركة تكون عونا لك على طاعته ورضاه.
وبخصوص ما ورد برسالتك، أقول لك أخي الكريم الفاضل المبارك:
أولا: أحب أن أبشرك بهذه البشرى العظيمة التي هي مكافأة لك وعوضا عن هذا الموقف العظيم الذي وقفته ابتغاء مرضاة الله وحياء من الله، فإن من عف نفسه عن شيء من الحرام ناله في الحلال، ولذلك يذكر أهل العلم في السير أو بعض المفسرين أن يوسف عليه السلام عندما دعته امرأة العزيز ليفعل معها ما حرم الله قال {معاذ الله} فيذكر بعض علماء التفسير أن الله تبارك وتعالى قد جعلها زوجة له بعد أن خرج من السجن ومكن الله له.
فإذن أقول لك: أبشر بفضل من الله تعالى ورحمته، فمن يدري، فقد تكون هذه الفتاة الآن مرتبطة بهذا الذي تقدم لها ولعل الله أن يقدر أمرا لا نعلمه فتتوقف هذه الخطبة ثم تتقدم لها لتكون زوجة لك في الدنيا ولعلك أن ترزق معها بأبناء، فإذا كان لك فيها من نصيب فثق وتأكد أن الله تبارك وتعالى سيجمعك بها، ولكن أهم شيء حقيقة من هذه الفتاة ومن الزواج ومن الدنيا كلها أنك بفضل الله تعالى كنت ملتزما لشرع الله، وأن الله حفظك من الوقوع في الحرام، أو إقامة علاقة محرمة، وصدقني (عبد الله) هذا من أعظم الأشياء التي خرجت بها من هذه التجربة.
نعم إنك فعلا تحبها حبا شديدا، وتتألم لسبب هذا الأمر، ولكن أقول: إن الذي أكرمك الله تبارك وتعالى به من عدم وقوعك معها في الحرام أفضل بكثير من أن تنالها وأن تكون زوجة لك، فهذا كان اختبارا من الله تبارك وتعالى لك، وشاء الله تبارك وتعالى أن توفق وأن تنجح في هذا الاختبار بجدارة، وأن تترك ما حرم الله تبارك وتعالى حياء من الله، فبارك الله فيك وثبتك الله على الحق، وأذكرك وأبشرك أيضا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) ومن هؤلاء (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله).
نعم هذا الأمر لا ينطبق عليك حرفيا، ولكنه يحمل صورة منه، فكان من الممكن أن تتواصل معها وأن تتكلم معها، خاصة وأنك كنت ما زلت في مرحلة الشباب والوضع في بلادكم يسمح بمثل هذه الأشياء لأن الفتاة عادة ما تخرج من البيت للدراسة والكلية وغير ذلك، ويكون من السهل أن يتكلم معها أي أحد إذا رغبت هي في ذلك، إلا أنك تركت ذلك كله من أجل الله تعالى، فاعلم أن الله سيعوضك خيرا بإذنه جل وعلا، إما أن يمن عليك بأفضل منها من حيث الدين والاستقامة والجمال والخلق فيعوضك الله تبارك وتعالى خيرا كثيرا، وإما أن يجمعك الله تبارك وتعالى بها في الجنة، والله على كل شيء قدير؛ لأن الله تبارك وتعالى وعد وعدا لأوليائه أن يكون معهم وأن ينصرهم وأن يؤيدهم وأن لا يتخلى عنهم، واعلم أن الله لا يضيع أهله، وأنت قد نجحت في اختبار عظيم جدا، وقطعا مكافأتك عند الله تبارك وتعالى ستكون عظيمة.
ولكن قضية أن تكون معك في الجنة، أقول: اترك هذا الأمر لله تعالى، واعلم أن الله على كل شيء قدير، فمن أدراك قد يمن الله تبارك وتعالى بما هي أفضل منها مئات المرات، لأن الله تبارك وتعالى دائما إذا كافأ يكافئ بالأكمل والأتم والأحسن والأعظم.
ولذلك أقول: دع الأمر لله تعالى وتفرغ لدراستك الآن، وركز بارك الله فيك على دراستك، واجتهد في أن تكون متميزا، بدلا من أن تخرج مهندسا عاديا، أتمنى أن تكون من أوائل الطلبة الذين قد تتيسر لهم فرصة العمل في التدريس والجامعة، بأن تكون معيدا، ومن خلال هذا الموقع سوف تعلم أجيال المسلمين هذا العلم النافع الذي أكرمك الله به، وسوف ترفع راية الإسلام، وبذلك ستكون قد حققت مكاسب أعظم من مكسب الزواج بفتاة سواء كانت هذه الفتاة أو غيرها.
وهذا أمر ينبغي أن تجد فيه وأن تجتهد له، وأن تسعى لتحقيقه أخي الكريم (عبد الله) لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) والقوة هنا قوة مطلقة، تشمل القوة العلمية والقوة البدنية والقوة الاقتصادية والقوة العسكرية، والأمة في أمس الحاجة إلى الصالحين الأوفياء العفيفين من أمثالك أخي الكريم عبد الله.
فركز واجتهد وضع أمامك هدفا كبيرا أن تكون أستاذا في الجامعة، وكم أتمنى أن تكتب على لوحة أمامك في غرفة دراستك (لا بد أن أكون أستاذا جامعيا) وهذه الكلمة احرص على تحقيقها بتوفير الوقت والاجتهاد في التحصيل والتركيز على شرح المدرسين، والمذاكرة أولا بأول، والاجتهاد في توسيع قاعدة معلوماتك ومعارفك، على الأقل في مجال تخصصك خلال هذه الفترة حتى تكون علما من أعلام الإسلام، وهذه الأخت التي خطبت وتركتها من أجل الله سيعوضك الله تبارك وتعالى خيرا منها، وقد يمن الله تبارك وتعالى عليك بها، واعلم أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، فإذا كان الله قد أودع في قلبك محبة هذه الفتاة، فالله قادر على أن يودع في قلبك أيضا محبة فتاة أخرى تكون أفضل وأجمل وأعظم وأتم وأكرم عوضا من الله تبارك وتعالى ومكافأة لك.
أسأل الله تعالى أن يوفقك، وأن يسددك وأن ييسر أمورك كلها، وأن يكتب لك الخير حيث كان ويرضيك به.
هذا وبالله التوفيق.