ماذا أفعل مع سلبية زوجي وعدم مسئوليته؟

0 617

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم..
شكرا لكم لفتح المجال لنا بالسؤال.

أنا امرأة متزوجة من 28 سنة، حاولت جاهدة كل هذه السنين المحافظة على بيتي وزوجي، لكن دون فائدة.

أولادي – الحمد لله - كلهم جيدون، عندي بنتان متزوجتان، وعندي بنت ثالثة معاقة ذهنيا, وأربعة أولاد ذكور، الكبير عمره 22 سنة, وكلهم يعانون معي من والدهم.

زوجي شخصيته ضعيفة جدا، غير متكلم، يهاب الناس، غير اجتماعي أبدا، ليس عنده ثقة بنفسه - أحكي عنه هذا حتى أوضح الصورة، لأني تعبت من الصبر عليه كثيرا – لا يفهم شيئا في الحياة إلا عمله، وأحس أنه لا يعمل لمستقبل الأولاد, أو أن يبني أو يستثمر، وإنما يعمل لأنه يحب عمله فقط، فعمله هوايته.

بيتي صغير به غرفتان، ليس عنده طموح أن يغير, أو يبني بيتا, أو أن يغير أي شيء بالبيت، بخيل جدا، كلما طلبنا منه مالا تصبح مشكلة، لا يعتمد عليه في أي مشكلة تحدث.

عمره كبير, 56 سنة، لا يوجد تفاهم بيني وبينه أبدا، فأنا في الشرق, وهو في الغرب.

أنا غيره تماما، أنا مثقفة جدا, ومتكلمة, واجتماعية جدا، وشخصيتي قوية ومتدينة.

هو يعاني من شخصيتي هذه، وأنا أعاني جدا، أنا أعيش وحيدة، أنا ربيت أولادي وحدي، والكل ببارك لي تربيتي -والحمد لله-، أعيش حياتي وحدي، تعبت، أنا أضغط على نفسي لأجل بيتي وأولادي، حتى ابنتي المعاقة متحملة مسؤوليتها، وأنتم تعلمون ما يعني معاق.

تعبت لدرجة أتمنى أن يطلقني، أو يتزوج بأخرى، المهم يبعد عني، لعلكم تستغربون لماذا كل هذا بعد هذا العمر؟! من الممكن أن يكون لأني تربيت يتيمة الأب، وأمي تزوجت، وعشت عند عمي، فلم يكن لي ملجأ، وكنت صغيرة لا أستوعب كل شيء بما أني وحيدة ليس لي أحد أستشيره، حتى أولادي عندما كبروا استغربوا كيف تحملت والدهم.

زوجي طيب, ومؤدب, ومحترم ، وهادئ، لكني لا أحتمله، فهو لا يحمل مسئولية الكبير, ولا الصغير, ولا أي مشكلة داخلية, أو خارجية، حتى العلاقة الجنسية لا أحبها أبدا، فقط متحملة لله تعالى، وهو لا يفهم كل هذه المفاهيم.
تعبت أرجوكم انصحوني ماذا أفعل؟

أطلت عليكم، سامحوني، لكن من أجل أن تفيدوني أكثر.

شكرا جزيلا لكم، وجزاكم الله خيرا، وكل عام وانتم بخير، وتقبل الله طاعتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم محمد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يكثر من أمثالك، وأن يعينك على أداء رسالتك, وإتمام وظيفتك على الوجه الذي يرضيه، وأن يجزيك خير الجزاء، وأن يعوضك خيرا في الدنيا والآخرة، وأن يربط على قلبك، وأن يرزقك الصبر، وأن يعظم لك الأجر، وأن يؤلف على الخير قلوبكم، وأن يصلح ذات بينكم، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة - فإنه بعد هذه الفترة الطويلة من الزمن، بعد ثمان وعشرين سنة، يأتي اليوم لنفكر في المشاكل التي تراكمت على الأسرة عبر تاريخها الطويل, ونبحث عن حل في هذا الوقت المتأخر, الذي يعتبر اتخاذ القرار فيه في غاية الصعوبة، فلا أنت تستطيعين الآن أن تتخذي القرار الموفق, الذي يخلو من السلبيات والتبعات، ولا أنت أيضا تشعرين بأنك منسجمة, أو متأقلمة مع هذا الواقع إلا بضريبة فادحة, وتضحية كبيرة.

لو أننا فكرنا في الطلاق الآن فقولي لي بربك: ما هو مصير هذه الأسرة عندما يحدث الفراق بينك وبين زوجك؟ .. نعم أنا أعلم أنك سوف تحققين نوعا من الراحة النفسية، ولكن أظن أن هذا نوع من الوهم، لأنك أولا تعودت هذه الحياة خلال هذه السنوات الطوال، وألفت هذه السلبية التي تعانين منها من زوجك، وتعودت أيضا على هذا البخل, وهذا التقتير, وهذا الضعف الشديد في الشخصية, وفقدان الثقة، وأعتقد أنك -إن قدر الله لك- وفكرت في الطلاق فستشعرين بفراغ كبير؛ لأن الإنسان منا قد يكره المرض, ولكنه يشعر بأنه في حاجة إلى أن يتأقلم معه لأنه لا خيار أمامه.

فأنا أقول: نعتبر أن هذه الحالة التي أنتم بها حالة مرضية، وهو مرض لا يرجى برؤه, أو شفاؤه، فماذا نفعل حيال هذا المرض؟ ليس أمامنا إلا أن نجتهد في تخفيف آثاره المترتبة عليه، مع الصبر عليه, وتسليم الأمر فيه لله تعالى.

فأرى أن فكرة التخلي الآن, أو طلب الطلاق ليست موفقة بالمرة، وإنما الأعظم والأولى إنما هو مواصلة الصبر والاحتمال, واحتساب الأجر العظيم عند الله تعالى، خاصة أنك أصبحت في سن متقدمة، فأنت لست بالصغيرة التي نقول أمامها فرصة طويلة لكي تستعيد شبابها, ولكي تحاول أن تعوض ما فاتها، وإنما أنت على مقربة من سن زوجك، وهذه السن تحتاج لنوع من الاستقرار، ومسألة التغيير في هذا الوقت مسألة في غاية الخطورة؛ لأننا إذا كنا ونحن أسرة مترابطة الآن نعاني من هذا الفراغ, ومن هذا الضعف، فما ظنك لو أن الأسرة قد انفصلت عراها, وتمزقت أشلاؤها, وتفرق أهلها،فستكون المعاناة أشد وأشد قطعا.

نعم ستقولين: سوف أستريح من هذا الرجل الذي يشكل عبئا عظيما على حياتي، ولكن أقول لك - صدقيني - لن تكون هناك راحة، وإنما ستظلين مشغولة به، حتى وإن حدث بينك وبينه الفراق أو الطلاق - لا قدر الله - ستشعرين أيضا بحنين إليه, وانتماء إلى هذه المنظومة التي عشتها رغم مرارتها, ورغم صعوبتها, ورغم شدتها, وكثرة آلامها.

أقول: أتمنى أن تصبري الصبر الجميل، وأن تتوجهي إلى الله بالدعاء، أن يصلح ما يمكن إصلاحه من هذه السلبيات القاتلة والمزعجة، أما فكرة الطلاق أو الفراق فأرى أنها فكرة غير موفقة بالمرة, وغير واقعية، لأن أبناءك الآن -وإن كانوا معك قلبا وقالبا, ويكرهون والدهم نظرا لتصرفاته- إلا أنهم في جميع الأحوال أيضا يحتاجون إلى وجوده بينهم، حتى وإن كان ضعيف الشخصية، حتى وإن كان هادئا هدوء قاتلا، حتى وإن كان لا يتحمل مسؤولية، وأنت التي تتحملين مسئولية الكبير والصغير، وأي مشكلة داخلية أو خارجية فهذه كلها على عاتقك.

أقول: سلي الله أن يعينك، وسلي الله أن يثبتك، وسلي الله أن يمنحك القوة، وأن يمنحك القدرة على بذل مزيد من التضحيات لإسعاد هذه الأسرة، وأن يعوضك خيرا في الدنيا والآخرة.

سليه أن يربط على قلبك، سليه أن يصلح ما بينك وبين زوجك، سليه أن يصلح لك أبناءك، وأن يجعلهم من سعداء الدنيا والآخرة، سليه أن يجمعك بزوجك في الجنة إن كان من عباد الله الصالحين، خاصة وكما ذكرت أنت من أنه يتمتع بطيبة وأدب واحترام، وهذه صفات طيبة في العموم، وإن كانت هناك سلبيات في البخل, أو فقدان الثقة في النفس، فأرى أن هذه موروثات أخذها عن أسرته التي نشأ فيها, وترعرع في أحضانها، وليس أمامنا حقيقة من خيار إلا الصبر الجميل.

فأتمنى أن تجتهدي في الدعاء أن يعوضك الله خيرا، وأن يمنحك مزيدا من القدرة، ومزيدا من الصبر, والحلم, والأناة, وسعة الصدر، حتى تواصلي مسيرة البناء, ومسيرة الإعمار, ومسيرة التأسيس, ومسيرة إسعاد الآخرين, والإحسان إليهم وإكرامهم.

سلي الله أن يعينك على ذلك كله، وأن يعافيك من كل علة وآفة، وسليه تبارك وتعالى أن يصلح لك زوجك، وأن يصلح لك أبناءك، فهذا خير ألف مرة ومرة من أن تطلبي الطلاق, أو الفراق, أو تعرضي عليه أن يتزوج امرأة أخرى.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، والتأييد والثبات، إنه جواد كريم, هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات