السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا امرأة متزوجة، أبلغ من العمر 28 سنة, قبل زواجي بأربع سنوات كنت فتاة هادئة جدا، كتومة, لست كثيرة الكلام، ولا الشكوى، أصلي صلواتي في وقتها، وأقوم الليل أحيانا، وأحفظ ما تيسر من القرآن بكل سهولة, لا أعرف سبيلا للاستسلام فيما يخصني، أملك إرادة لتحقيق ما أريد, حتى إنني كنت أملك ثقافة عالية.
بعد زواجي تغير كل شيء، ولم أعد كما كنت في السابق، حتى إن الأشخاص المقربين مني يقولون بأنني تغيرت، وأنا أقيم مع أهل زوجي، وأصبحت لا أطيق العيش معهم، ولدى زوجي كل الإمكانيات ليوفر لي السكن المريح، ولكنه يأبى مفارقتهم.
لقد أصبحت عندهم مجرد خادمة، يصدرون لي الأوامر وأنا أنفذ دون نقاش، وأنا لا أستبعد أن ينفجر البركان الذي تشكل بداخلي، لم يعد الوقت ملكا لي، فأنا أصبحت ملكا لغيري، حتى إنني أهملت ابنتي ذات العامين، فقواعد المنزل تقتضي أن أقوم بأشياء كثيرة، ولا يحق لي التقصير.
لم أعد أستطيع التحمل أكثر, ضيعت صلواتي، وبلغت درجة لا أستطيع فيها حمل أعز شيء -القرآن الكريم-, فقد ابتعدت عنه قليلا؛ فابتعد عني كثيرا, لم يعد بإمكاني حتى سماعه، صار ثقيلا على مسمعي، وأنا أتألم لقولي ذلك.
حاولت أن أنظم وقتي، ولكن –للأسف- لا أستطيع تحقيق أي شيء، لقد أصبحت كتلة من التشاؤم والغضب، لدي الرغبة في تكسير أي شيء أجده، أضرب ابنتي بسبب وبدون سبب، أصرخ في وجه زوجي بشدة، ولا أتمكن من ضبط نفسي، فقدت ابتسامتي، ولا أشعر برغبة في العيش، ولا أستطيع أن أرضى بأن تكون حياتي لا معنى لها، حتى إنني أحس بالتعب دائما في ذراعي وكتفي.
تقبلوا فائق الشكر، لأنني وجدت أخيرا من يسمعني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ selwa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
أهلا بك -أيتها الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يبارك فيك, وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
وبخصوص ما سألت عنه -أيتها الفاضلة- فأحب أن أقسمه إلى عدة عناصر:
أولا: لا يأس في الحياة، والفجر لا يولد إلا مع اشتداد الظلمة، ولا يعرف الحديد الخالص إلا بدخوله مختبر النار، وأشد الناس بلاء الأنبياء، ويبتلى المرء على قدر دينه؛ فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه.
معنى هذا -أيتها الفاضلة- أن الظروف التي أنت فيها بلاء من الله عز وجل؛ ليظهر نقاء المعدن، هذا من ناحية, ورفعة للدرجات من ناحية أخرى، فالبلاء كما قال بعض أهل العلم دليل عافية، إذ ما أحبك إلا وهو يريدك خالصا له.
ثانيا: من رحمة الله بنا أن نوع العبادات التي تقربنا منه، فليست الصلاة وقراءة القرآن فقط هي العبادة التي ترجى من المرء، بل إنك وما تقومين به من جهد كبير وثقيل بالنية الصادقة الخالصة ينقلب هذا الأمر إلى عبادة، تتعبدين الله عز وجل بها.
لا يخفى عليك أن بغيا من بني إسرائيل دخلت الجنة في سقيا كلب، فكيف بك أنت المسلمة وأنت تقومين بخدمة أهل زوجك، وهو ثقيل عليك، ولكن احتسابك الأجر يقوي الظهر على التحمل.
ثالثا: السبب فيما وصفت نفسك به من أنك -معاذ الله- كتلة تشاؤم! راجع إلى نظرتك إلى عملك، ومساعدة أهله بأنه لون من ألوان الخدمة، وأنك قد صرت خادمة، وهذه النظرة لا شك ستؤثر عليك سلبيا، ولو تغير هذا المفهوم إلى قول النبي صلى الله عليه (وفي كل كبد رطبة أجر) ، لصار الأمر على غير ذلك.
رابعا: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، افعلي بالنية السابقة ما تقدرين عليه، ودعي ما لا تقدرين عليه، وأسلوبك الطيب, وطريقة تعاملك المختلفة التي تنبع من كون ذلك عبادة تتقربين بها إلى الله كفيل أن يجبر أي نقص.
خامسا: إن بركة جلوس زوجك مع والديه، ربما لن تدركيها اليوم, لكنها -يا أختنا- ستبقى لك مع أبنائك، وستجدين في برهم لك الشيء الذي تسرين به عند الحاجة إليهم؛ فالبر دين كما أن العقوق دين.
سادسا: إن من بركات الحياة بركة الوقت، وحتى ندرك تلك البركة نحتاج إلى ثلاثة أمور:
1- عدم الاستسلام للواقع، بل شعارنا إذا لم يكن ما نريد فلنرد ما يكون.
2- التنظيم: وأعني به تنظيم الوقت، وجعل لكل أمر وقتا لا يتجاوزه، وإشراك الأعمال غير المتضاربة مع بعضها، بمعنى أننا الآن مثلا نقوم بطهي الطعام، وهذا لا يتعارض مع سماع القرآن، ولا مع سماع محاضرة، فلا بأس من الجمع بينهما, وهكذا، وتحديد بعض الأوقات للقراءة والاطلاع والتعبد ولو قليلة، فقليل دائم خير من كثير منقطع.
3-الدعاء, والالتجاء إلى الله, والاحتماء به فهو المعين, وبيده مقاليد كل شيء، فأكثري من الدعاء, واجتهدي في ذلك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، ونحن سعداء جدا بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يبارك فيك, وأن يحفظك.
والله ولي التوفيق.