انعدام البركة في الرزق هل سببه الذنوب، أم أن الراتب لا يكفي؟

1 978

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخواني ومشايخي وأساتذتي الكرام، أنا معجب جدا بهذا الموقع الرائع، ربنا يبارك فيمن أنشأه، ومن يعمل به، ويجعله في ميزان حسناتكم إلى يوم الدين.

أنا أعمل محاسبا في دولة من دول الخليج، وراتبي والحمد لله متوسط، ويكفي لمعيشتي، وقد من الله علي بالزواج منذ عدة أشهر، ولكن منذ تزوجت وأنا أحس بانعدام البركة، فأرى أشياء تنكسر بين يدى بالمنزل، أو بين يدي زوجتي، وكذلك يصرف الراتب قبل نهاية الشهر بكثير، وأقوم باستلاف ما يكفيني لنهاية الشهر، وكذلك تتعطل السيارة أكثر من مرة في الشهر، وكذلك أذهب بزوجتي للأطباء وهي تتألم من شدة التعب المصاحب للحمل.

فما أدرى ما الذي يصيبني وما سببه؟ رغم أن الله يعلم حالي أنا وزوجتي من التقرب إليه قدر المستطاع، وإنفاق الصدقات كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم:( داووا مرضاكم بالصدقات).

فهل هذا من سبب ذنوب سابقة لي؛ أم أن الراتب الذي أتقاضاه ليس به بركة؟ حيث أن الشركة تعمل بالقروض، ومعظم الشركات يكون سيولتها عن طريق القروض.

نسألكم الإرشاد بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله الجليل جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك لك، وأن يبارك فيك، وأن يوسع رزقك، وأن ييسر أمرك، وأن يجعل حياتك مع زوجتك آمنة مطمئنة طيبة مباركة، وأن ينزل لك من بركات السماء وأن ينبت لك من بركات الأرض، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك – أخي الكريم الفاضل – فإنه ومما لا يخفى عليك أن الله جل جلاله قدر المقادير وقسم الأرزاق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وهذا ما أخبرنا به النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (إن الله قدر المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) ومن هذه المقادير الأرزاق والأولاد والصحة والمال والجمال والطول والقصر، وغير ذلك من الأمور التي تجري في حياة الناس ونراها يوميا بأعيننا، هذا كله هو تقدير الله تبارك وتعالى جل جلاله وتدبيره، وذلك وفق علمه وحكمته وإرادته ورحمته جل جلاله سبحانه.

ومن هذه المقادير التي قدرها الله قضية الأرزاق، ولذلك قال الله تعالى: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} فشاء الله تبارك وتعالى أن يجعل بعض الناس أكثر مالا من بعضهم الآخر، وشاء أن يجعل بعض الناس في حالة متوسطة، وشاء كذلك أيضا أن يجعل بعض الناس فقراء فقرا شديدا أو خفيفا، وهذا كله ابتلاء، كما قال سبحانه: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا} هذا كله وفق تقدير الله تبارك وتعالى وحكمته، لأن هذه المنظومة هي التي بها تستقيم حياة الناس، فلو أن الناس جميعا أغنياء لتعطلت الدنيا، ولو أن الناس جميعا فقراء لتوقفت الحياة تماما، لأن الناس لو كانوا أغنياء لن يكون في حاجة إلى العمل لدى الآخرين، وكذلك إذا كانوا فقراء لن يعملوا لأنهم لن يتقاضوا أجرا، كما قال تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون}.

ولكن شاء الله تبارك وتعالى أن بسط لبعض الناس في الرزق وأن قدر على بعض في الرزق. والأرزاق عندما تأتي العبد فإنها إما أن تكون موفورة موسعة، وإما أن تنزل مع بركاتها، وإما أن تكون الأرزاق واسعة من حيث العدد كآلاف مؤلفة، ولكنها من حيث الثمرة والنتيجة كما لو كانت أوراقا بيضاء ليس فيها أي نوع من أنواع البركة، وسلب البركة من الأرزاق له أسبابه المتعددة والمتنوعة، وهذا مما لا شك فيه.

قد يكون فعلا أحد الأسباب وجود الذنوب والمعاصي، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – بقوله: (إياكم والمعاصي، واعلموا أن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه وقد كان هيئ له) ففعلا كثير من الناس يحرمون البركة بسبب هذه المعاصي التي يقترفونها، وهذا ما أخبرنا به تبارك وتعالى بقوله في كتاب الكريم: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا} وبقوله تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا} إلى غير ذلك من النصوص القرآنية التي تؤكد هذا المعنى، كما قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}، وقال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}.

فنعم قد تكون المعاصي سببا من الأسباب، ولذلك أمرنا الله تبارك وتعالى بالاستغفار الدائم والمستمر والمتكرر واليومي، وهذا كان هدي نبيك - صلى الله عليه وسلم – إذ أنه كان يستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة، ولذلك أمرنا الله تبارك وتعالى بذلك، وبين أن الاستغفار من علامات توسعة الأرزاق، فقال: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا}.

وقد يكون هذا نوعا من الابتلاء والاختبار للعبد المؤمن، فنجد أن كثيرا من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كانوا فقراء، بل إن النبي - صلى الله عليه وسلم – رغم أنه أغنى أغنياء العالم إلا أنه قد يمر عليه عدة أشهر لا يوقد في بيته نار، كما أخبرت أمنا عائشة - رضي الله عنها – بقولها: (كان يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين ولا يوقد في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – نار) وكان غالب طعامه الأسودان (التمر والماء) وكما قالت - رضي الله عنها - : (ما شبع آل محمد من خبز الشعير منذ هاجرنا). إلى غير ذلك من النصوص التي بين لك أن الإنسان فعلا قد يتعرض للفقر في هذه الحياة ابتلاء وامتحانا واختبارا، وذلك لكي يرفع الله درجاته ويعلي مكانته عنده في الآخرة.

وهناك أسباب أخرى ومنها مثلا الحسد، فإن الحسد كما تعلم مدمر ومحاق، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} وكما قال: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} فالإنسان قد يحسده أقرب الناس إليه، بل إنه قد يحسد نفسه، وهذا ما أخبرنا الله تبارك وتعالى بقوله: {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا}.

فالحسد من أكثر الأسباب محقا للبركة، ولذلك أنصحك أخي الكريم الفاضل (محمود) بضرورة عمل رقية شرعية، حاول أن تقوم برقية نفسك أنت وزوجتك وترقي بيتك أيضا، واجتهد في ذلك بارك الله فيك، إن كنت قادرا على رقية نفسك وزوجتك، فإن لم تيسر لك ذلك فلا مانع من الاستعانة بمن يقوم برقيتك، سواء كان من الأقربين أو من غيرهم، ولا مانع من الاستعانة ببعض الرقاة الثقات الذين لهم باع طويل في الرقية الشرعية وفق ضوابط الكتاب والسنة.

لأن الحسد كما ذكرت أحد أنواع محق البركة، وكذلك السحر، فإن هناك نوع من الاعتداء يحدث عن طريق بعض الظلمة المجرمين الذين يستكثرون نعم الله على عباد الله، فقد يحدثوا لهم سحرا مفاده قلة البركة أو انعدام البركة في الأرزاق، ولذلك أقول لك عليك بالرقية الشرعية، اجتهد في ذلك بارك الله فيك، لاحتمال أن يكون هذا نوعا من الحسد أو نوعا من السحر. اجتهد في الرقية الشرعية إما بنفسك أو بغيرك، والحمد لله الرقية الشرعية متوفرة وكثيرة، والكتب والكتيبات والمطويات والأشرطة تملأ المكتبات الإسلامية وغيرها، فعليك بذلك بارك الله فيك، وفوق ذلك أكثر من الاستغفار كما أوصاك الله، وكما أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم – وأكثر من الدعاء بأن الله يوسع رزقك وييسر أمرك وأن يجعل البركة تحل عليك وعلى بيتك وأهلك وعلى مالك، وأبشر بفرج من الله قريب، واعلم أن المؤمن أمره كله له خير، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – لقوله: (إن أمر المؤمن كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن).

أسأل الله أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يوسع رزقك، وأن يبارك لك في أهلك ومالك وولدك، وأن يجعلنا وإياك من صالح المؤمنين، ومرحبا بك في موقعك في كل وقت وحين.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات