السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لا شك أن من أهم القرارات التي يتخذها الإنسان في حياته هو اختيار زوجته، وانعكاس هذا الخيار على جوانب حياته المتعددة، فلا تقع عيني على مادة سمعية في (النت) حيال هذا الموضوع إلا سمعتها، ولكن ألاحظ أن ما يطرح حيال هذا الموضوع هو من جانب تأصيلي شرعي، وتذكيري بأهمية المعايير، ولكن يبعد عن تنزيل المعايير على الواقع.
أنا كمقبل على الاختيار أريد مراجع سمعية أو مقروءة تفيد وترشد في المعايير العملية لعملية الاختيار، وطريقة تفعيلها عمليا، وكيف يستطيع الشاب اختيار الزوجة المناسبة؟
هذا طلب وهناك أسئلة جانبية:
س: هل يختار الشاب زوجة تكمل صفاته التي تنقصه أم يحاول أن تكون قريبة قدر الإمكان من طباعة، فالتكامل جميل والأضداد تتنافر؟
س: لا شك أن الزوجة المناسبة هي التي تناسب أهدافي في الحياة، فالنجاح في الزواج جزء من النجاح الكلي في الحياة فهي تكامل، ولكن أصدقك القول أنني مشتت في وضعي بعد التخرج الذي بقي عليه شهور، فهل يؤثر هذا في الاختيار؟
أسأل الله أن يجزيكم خيرا، و أن يختار لنا ولكم الصالح.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه أما بعد:
فإننا نشكر لابننا الكريم على تواصله مع الموقع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر له الخير ثم يرضيه به، ونشكر له الاهتمام بهذه القضية، ونثني على حرصه وإصراره على أهمية هذا القرار الذي يتخذه الإنسان بالنسبة لاختيار الزوجة، وهذا بلا شك قرار مصيري، وأذكر أن مدرس الأصول لما انتهى من تدريس مادته في الجامعة قال: أريد أن أقدم لكم نصيحة، فقدم نصائح علمية ونصائح مفيدة، وكان من ضمن ما نصحنا به أن نسارع في أمر الزواج، ثم نصحنا بأن نحسن الاختيار، قال كلمة جميلة: لا تظنوا أن العلماء قليل، ولكن كثير من العلماء والمشايخ والفضلاء كانت نهايتهم في الزواج، لأنهم لم يحسنوا الاختيار.
المرأة الصالحة تصعد بالإنسان وتعينه على الثبات، والمرأة التي فيها غفلة أو أداء محدود أو تقصير تنزل بالرجل وتؤثر عليه ولابد، ولذلك أعجبني اهتمامك في اتخاذ قرار صحيح في هذه المسألة، ولا شك أن القرار الصحيح يبنى على حيثيات وعلى نظرة عميقة وبعيدة، على تقديم العقل، على مشاورة للآخرين حتى يكتسب من خبراتهم وعقولهم، كذلك قرار يحتاج إلى شيء من التأني، ولا ينفع فيه العجلة، لأنه مشوار الحياة، لذا الأمر يحتاج إلى تأني.
قد أحسنت فقد فهمت من كلامك أنك تتكلم عن أن العلماء دائما يتكلمون عن الدين والخلق وهكذا، وهذا طبعا مطلوب – هذا أولا هو المطلوب – لكن لا ينبغي أن يفهم أن هذا وحده هو المطلوب، فالإنسان لا يمنع من الزواج من الجميلة أو الحسيبة وصاحبة المال أو صاحبة النسب، وما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا، وما أقبح الكفر والإفلاس في الرجل، والإنسان في حرصه على هذه المسألة لأن للزواج أهدافا، والإنسان إنما يتزوج من أجل أن يغض بصره، من أجل أن يعف نفسه، وهذا لا يتحقق إلا بزوجة فيها مواصفات فيها جمال يميل إليها هذا الإنسان، وعند ذلك ينبغي أن يمضي في إكمال هذا المشوار.
الشريعة تحرص على بناء الحياة الزوجية على أسس ثابتة من الرضا والقبول والنظرة الشرعية، لأن الشريعة تريد أن يحصل الوفاق، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.
ستجد في كتابة الشيخ جاسم المطوع الثقافة المتعلقة بهذا الجانب إشارات مفيدة، وأسئلة ينبغي لأي خاطب أن يسألها وأن يهتم بها عن علاقة الفتاة بأهلها، عن حال الأسرة، يسأل عن صديقاتها وجاراتها، واهتماماتها.
هذه أمور لابد أن يتعرف عليها، وكذلك الفتاة ينبغي أن تطالب بحقها في النظر إلى من تريد أن تتزوج به نظرة شرعية، هي للرجل وللمرأة، والحنفية عندهم أن المرأة أهم، لأن الرجل قد يخرج من الحياة بسهولة، ولكن المرأة قد يصعب عليها إذا دخلت الحياة الزوجية أن تخرج، طبعا تستطيع، لكن يصعب عليها ذلك، ولذلك كان أمر النظرة الشرعية وأن تكون الحياة الزوجية مبنية على الرضا والقبول والتفاهم، هذا أمر تهتم به هذه الشريعة التي شرفنا الله تبارك وتعالى بها.
أما بالنسبة لسؤالك: هل يختار الشاب زوجته مما عندها من صفات أم يحاول أن تكون قريبة قدر الإمكان من طباعه؟ طبعا قريبة من الطباع، قريبة في الصفات، متشابهة في التصرفات، هذه يكون الوفاق معها أكبر، هذه غالبا يكون الوفاق في حالتها ومعها أكبر، لأن هذه مؤشرات إيجابية تعني أن هناك قواسم كثيرة مشتركة، كلما كانت القواسم المشتركة كثيرة وقريبة كانت الرابطة قوية، وكانت ضمانات النجاح بعد حول ربنا وقوة ربنا الفتاح كبيرة.
كذلك أيضا مسألة وجود الزوجة التي تناسب الأهداف في الحياة التي لها طموحات التي ترغب في النجاح، هذه أمور أيضا مهمة من الأهمية بمكان، وهذا الإنسان يستطيع أن يتعرف عليها عن طريق محارمه، وكلامه مع الفتاة، أو عن طريق الكلام معها في حضور محرم من محارمها ليعرف عقلها ويعرف اهتماماتها، فإن عقل الإنسان يتبين بكلامه (لسان الفتى نصفه ونصفه الآخر فؤاده)، فهذا اللسان أيضا إنما يخرج ما في داخل القلب، ويتبين عقل الإنسان من خلال كلامه، ولذلك كانوا يقولون (تكلم حتى نعرفك) فالإنسان يفصح عن نفسه بلسانه وبكلامه.
كان بعض الخطاب أيضا يطلب هذا الحوار ليريد أن يتعرف طريقة الكلام والاهتمامات، وهذا أمر من الأهمية بمكان، إذا لكي تنال النجاح لابد أن تبحث عن صاحبة همة عالية، وأرجو أن تفكر في هذا القرار وأنت مستقر وهادئ، لأنك تقول إنك مشتت الآن، والإنسان الذي يكون مهموما أو مغموما أو جائعا أو متوترا لا يأتي بقرار صحيح صائب في مكانه، وخاصة القرار في هذه المسألة، فإنه يحتاج إلى تأن زائد، يحتاج إلى أن يكون عنده تأن كبير حتى نتخذ القرار الصحيح الذي لا نندم عليه.
كما مضى معنا فإن القرار في الحياة الزوجية قرار تدخل فيه مصالح آخرين، وتدخل فيه مصلحة الذرية، ويدخل فيه مستقبل أسرة، وتدخل فيه علاقات من الأهمية بمكان، فهو ليس من القرارات التي يتخذها الإنسان باستعجال، وليس من القرارات التي يتخذها الإنسان إذا كان مشتتا، وليست من الأشياء التي يتعامل الإنسان معها بردود الأفعال.
كم تمنينا لكل شاب يريد أن يتزوج بخطوات ثابتة، وأن يشرك أهله منذ البداية، وأن يقدم الدين في اختياره، وكذلك عندما يجد في نفسه ميلا إلى فتاة عليه كذلك أن يأتي بيت أهلها من الباب ويطلب يدها من أهلها الأحباب، ثم بعد ذلك يطالب بحقه في النظر الشرعي، فإذا وجد ميلا وقبولا وتوافقا فبها ونعمت، وإلا فالخطبة ما هي إلا وعد بالنكاح، يستطيع الإنسان أن يخرج منها وتخرج منها الفتاة ولا حرج في ذلك من الناحية الشرعية.
كلنا أمل في أن يقدر الله تبارك وتعالى لك الخير، فتوجه إلى الله تبارك وتعالى، ونسأله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.