السؤال
أبحث عن زوجة صالحة منذ أكثر من عام، ورأيت فتيات ملتزمات كثيرات جدا، ولكن المشكلة عندي هي أن القبول والميل القلبي لا يحدث إلا نادرا، وعندما أعجبتني فتاة كان بها عيب جسمي لم أستطع تحمله، وباقي من رأيت لا أشعر بميل قلبي لهن، ولا قبول عاطفي، مع أن بعضهن لهن صفات جميلة، ومن أسر محترمة، ولكني لا أشعر بميل قلبي لهن، وأنا محتار؛ فهل أتقدم لفتاة لا أشعر بميل قلبي نحوها وأكتفي بصفاتها الجميلة، أم أنتظر حتى أجد من فيها القبول؟ مع أن هذا لا يحدث إلا قليلا جدا، فمعظم الفتيات التي أراها لا أشعر بقبول لها ولا ميل عاطفي لها، فبماذا تنصحوني؟
وجزاكم الله خيرا، وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه. وبعد:
فإنا نرحب بابننا الكريم في موقعه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يسهل أمره، وأن يغفر ذنبنا وذنبه، وأن يلهمه السداد والرشاد، وأن يقدر له الخير حيث كان ثم يرضيه به.
ونشكر لك ابننا الكريم الاهتمام بهذه المسألة، وهنيئا لمن طلب في الفتاة دينها، وحرص على فتاة ترضي الله تبارك وتعالى، ولك في الإمام أحمد – رحمة الله عليه – أسوة، فقد كان لما أراد أن يتزوج أرسل إحدى قريباته فجاءت فقالت له: وجدت لك فتاة بارعة في الجمال متوسطة الدين، وأخرى متينة الدين متوسطة في جمالها، فقال: أريد صاحبة الدين. ونحن نقول: وتلك وصية رسولنا الأمين. فعاش معها الإمام أحمد ثلاثين سنة، ثم قال يوم وفاتها: والله ما اختلفنا في كلمة.
فهنيئا لمن يقدم الدين في الاختيار، ولكن تقديم الدين لا يعني أن يغفل الإنسان ويهمل الجوانب الأخرى، فإن الإنسان ما تزوج إلا ليعف نفسه، ولكن الدين هو الصفة الأولى والثانية والأخيرة، وكل كسر فإن الدين يجبره، وما لكسر قناة الدين جبران.
فهنيئا لمن اصطحب هذا المعنى وحرص على ذات الدين وصاحبة الدين، وكذلك يحرص على أن تكون الأسرة طيبة، ويكون تاريخ الفتاة كذلك في الصالحات، وتمدح من جيرانها وأهلها، وهي كذلك ينبغي أن تنظر في الرجل بمثل هذه الأمور وهذه الجوانب كافة.
ولكننا مع ذلك نريد أن نقول: لابد أن يكون الإنسان واقعيا، فلا يطلب المستحيل، ولا يطلب امرأة بلا عيوب أو نقص أصلا؛ لأن هذا لا يوجد في البشر، كلنا ذلك الناقص سواء كنا رجالا أو نساء، ولكن إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث، من الذي ما ساء قط، ومن الذي له الحسنى فقط؟! كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه، ولذلك ينبغي أيضا أن تصطحب هذا المعنى، وهو أن يكون الإنسان واقعيا، ولا يفرك مؤمن مؤمنة – كما قال النبي صلى الله عليه وسلم – إن كره منها خلقا رضي منها آخر.
فالمرأة والرجل كلاهما فيهما إيجابيات، ولكل سلبيات، وطوبى لمن غمرت سيئاته في بحور حسناته.
وقد أحسنت فإن الإنسان بعد أن يرى لابد أن يجد ذلك الميل والقبول والارتياح؛ لأن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، لكن إذا كان هذا النفور أو هذا الفتور الذي تجده له أسباب ظاهرة فأرجو أن تكتب إلينا حتى نناقش الأسباب التي تتكلم عنها، فقد ذكرت مثلا أن التي ملت إليها كان فيها عيب جسمي، فأنت لا تجد امرأة خالية من العيوب، وهذه العيوب الجسمية فيها ما يؤثر وفيها ما هو مقبول ومعقول ومعروف بين الناس ولا يؤثر على وظائف المرأة ولا على رسالتها في هذه الحياة.
ولا مانع من أن تكرر المحاولات، وتتوجه إلى رب الأرض والسموات، وتطلب مساعدة الصالحين والصالحات، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان، ثم يرضيك به.
ونريد أن نقول لك: لا بد أن تصطحب هذا المعنى، فإنك لن تجد امرأة كما قلنا بلا عيوب، فإذا كنت تطلب النصيحة فإننا ندعوك إلى أن تكرر المحاولات بعد أن تتوجه إلى رب الأرض والسموات، وبإمكانك حتى لا تدخل في الحرج أن تسأل محارمك – أخت أو عمة أو خالة – عن صفات الفتاة التي تريدها، حتى تصلك معلومات شبه كاملة، وعند ذلك تتقدم لتكون هناك ضمانات أكبر، ضمانات القبول أكبر.
وندعوك أيضا إلى أن تغض بصرك، فإن الإنسان إذا أطلق بصره لا يمكن أن يجد ما يرضيه، لأنه سيرى أمور كثيرة جدا وسيزين الشيطان له فتيات وإن كن قبيحات، فإن المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان، وأنت – يا عبد الله – متى ما أرسلت طرفك رائدا لقلبك أتعبتك المناظر، رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر.
وأرجو أن يعلم الجميع أن ما من فتاة إلا وهي جميلة، ولكن الناس تختلف في وجهة النظر، فكرر المحاولات، والأمر أمامك مفتوح، وحتى تجد الفتاة التي تميل إليها وتميل إليك وترتضي الصفات التي عندها وترتضي ما عندك من صفات، ومع ذلك فلابد أن يقدم كل طرف تنازلات، لأننا بشر وفينا ذلك النقص.
ونتمنى أن تدير هذه المسألة بهدوء احتراما ورعاية لمشاعر الفتيات، فإن الفتاة يصعب عليها أن يدخل الإنسان إلى حياتها ثم ينسحب بهذه السهولة، وهذا أمر قطعا الواحد منا لا يرضاه لابنته ولا لأخته، فما لا ينبغي أن نرضاه لبناتنا لا نرضاه لبنات الناس.
وإذا وجدت الصفات الجميلة ووجد الدين ومع ذلك لم تجد في نفسك الميل فنحن ندعوك إلى أن تذكر نفسك بما عندها من إيجابيات وما تقوم به من أعمال صالحات، فلعل ذلك يؤثر على الميل الموجود في داخلك، ومعلوم أن الشيطان يبغض للناس ما أحل الله تبارك وتعالى لهم، ويزين لهم الحرام حتى يطلقوا لبصرهم العنان، فتذكر أن هذا العدو الذي طالبنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه عدوا ولا يمكن اتخاذ الشيطان عدوا إلا إذا خالفناه كل ما يوسوس به ويأمر به، إلا إذا أكثرنا من ذكر الله وشكره، إلا إذا اتقينا الله وأكثرنا من التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله، لأن هذه الأمور التي تحزن هذا العدو وتجعل هذا العدو يبتعد عنا.
وعلى كل حال فمن حقك أن تطلب ما تريد، مع ضرورة أن تكون واقعيا، وأن تتحمل إذا كان الدين كاملا وكان هناك خلل في أي جانب من الجوانب الثانية فإن الدين يصلح كل خلل، ولكن المشكلة إذا لم يكن هناك دين، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، ولا يخفى على أمثالك أن الإنسان إذا احتار فإنه يطلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير عن طريق صلاة الاستخارة التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يعلمها لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن.
نسأل الله أن يسهل أمرك، ويغفر ذنبنا وذنبك.