السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا طالب بكلية الطب البشري.
تعرفت على زميلة لي بالكلية، وأعجبت بأخلاقها والتزامها، ورغبت على الفور في وضع الأمور في الطريق الصحيح، فذهبت إلى والدها لطلب يدها، وقد وجدت تفهما كبيرا وقبولا من جانبه - بالرغم من أن ظروفي المادية صعبة إلى حد بسيط، حيث توفى الله والدي، وأمتلك دارا، ولكن ينقصني المال اللازم لإتمام الزواج - والاستعداد للمساعدة في الزواج، ولكن بعد فترة معينة أثبت فيها جدارتي والتزامي بالدراسة -، حيث رسبت ثلاثة أعوام متكررة بعد وفاة والدتي بسبب ظروف نفسية صعبة.
المشكلة تكمن أنه عندما علم أصدقاء لنا بالكلية عن الأمر جاء زميل لنا مشهور بالفساد الأخلاقي! وادعى أنه كانت تربطه علاقة بهذه الفتاة، وصلت إلى علاقة الرجل مع زوجته! وألقى كلاما كثيرا على مسامعي أخجل من ذكره، وجاء بمقطع فيديو له ولهذه الفتاة، وهو يقوم بتقبيلها في سيارته التي اعتادت الركوب معه مرات ومرات بها!
عندما واجهتها في البداية أقسمت بكذب ادعاءاته كلها، ولكن بعد ظهور هذا الفيديو بفترة اعترفت لي بأنها أخطأت في حق نفسها، وأنها تابت إلى الله عز وجل عن هذه الأفعال التي لم يسبق لها أن فكرت فيها، قبل أن تتعرف على هذا الشخص، وأنها لم تكن سعيدة يوما معه بما كانت تفعله، وأن أقصى ما استطاع أن ينال منها هو مجرد قبلات بعد إلحاح شديد من جانبه.
أنا الآن في حيرة من أمري، لا أدري ماذا أفعل؟ فأنا أميل إلى تصديقها وأرغب في الارتباط بها، لما لمسته فيها من طيبة وتدين وإخلاص، ولكني كلما تذكرت ما رأته عيناي وما سمعته أذني أكاد أجن من الغضب والحزن، ولا أعرف هل أستطيع إعطاءها حقوقها في المستقبل أم ستظل هذه الذكرى عائقا وحائلا بيننا؟
دلوني ماذا أفعل؟ وهل يوجد عقار يساعد على نسيان هذه المواقف أو يخفف من حدة التفكير فيها؟ مع العلم أني أتناول عقار الباروكستين بمقدار قرص واحد 20 مجم يوميا، لأني كنت أعاني في الماضي من بعض الخوف والألم النفسي.
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.. أما بعد:
إنا نرحب بابننا الكريم في موقعه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يسهل أمره، وشرف لنا أن نكون في خدمة شبابنا، ونسأل الله أن ينفع بك البلاد والعباد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
أعجبني وأسعدني حرصك على وضع الأمور في نصابها عندما وجدت في نفسك ميلا للفتاة، وهكذا ينبغي أن يكون الكرام من الرجال، الذين يحرصون على المجيء للبيوت من أبوابها، فلا يتوسعون في التعامل مع الفتاة إلا بعد أن يؤسسوا صلة شرعية معلنة واضحة يشارك فيها كلهم أمام سمع الناس وبصرهم؛ لأن هذا هو الذي يريده الإسلام، فالإسلام لا يقبل أن يتحدث شاب مع فتاة من وراء أهلها ودون أن تكون بينهما صلة ورابطة شرعية.
قد أحسنت بالخطوة التي قمت بها، لعل هذا هو الذي أكسبك ثقة الفتاة وثقة أهلها، وهذا جانب أرجو أن ينتبه له الشباب والفتيات، فنحن نوصي كل شاب يريد فتاة أن يتقدم ليطلب يدها من أهلها، ونوصي كل فتاة وجدت في نفسها ميلا إلى شاب ألا ترضى أن تتنازل له، وإنما تخبره عن دارها وعن أهلها وعن أعمامها ومحارمها، من أجل أن يتواصل معهم حتى توضع الأمور في نصابها.
إن الإسلام لا يقبل أي علاقة بين شاب وفتاة بإمكانه أن يسعى ليتزوجها، إلا في إطار العلاقة الزوجية ومقدماتها من خطبة ونحوها، وإذا كنت قد اخترت فتاة لدينها وخلقها والتزامها وأدبها، ووجدت ميلا إليها فالعبرة بما عليه الآن، لأن التوبة تجب ما قبلها، والتوبة تمحو آثار الذنوب، بل إذا كان التائب مخلصا فإن الله يقول: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات}.
هذه نقطة هامة جدا، فأنت يهمك الآن من تاريخ الفتاة ما هي عليه الآن من دين وإخلاص وصدق وجمال - هذه الأشياء التي وصفتها –، أما ما حصل لها في أيام الغفلات فذاك أمر يتوب الله تبارك وتعالى عليها إذا تابت وصدقت، ولعل حسن التدين وحسن الالتزام دليل على صدقها.
قد أساء ذلك الشاب الذي يعبث بأعراض الناس فيما فعله مع الفتاة، وفيما قاله لك؛ لأن هذا كلام يسبب لك الألم، وواضح أيضا أنه يحمل حقدا للفتاة، كأنه يريد أن يدمر مستقبلها، قد يكون في ذلك إشارة إلى أنها رفضت أن تمشي معه إلى نهاية الطريق.
على كل حال فإن هذا الشرع الحنيف يبني الأمور على الوضوح، والعلاقة الزوجية لا تبنى على رمال متحركة، وإنما ينبغي أن تبنى على أرض ثابتة وتؤسس على تقوى من الله ورضوان، فإذا رأيت في نفسك ميلا للفتاة وإعجابا بتدينها والتزامها وارتياح نفسك لها، ووجدت في نفسك أيضا قدرة على طي تلك الصفحة وإلى الأبد فعند ذلك ندعوك إلى أن تكمل المشوار، أما إذا كنت ستقف عند ذلك الماضي وعند ذلك الموقف وتعيد فيه وتبدي فإن هذا سيسبب لك معاناة كبيرة، وكذلك يسبب للفتاة معاناة كبيرة، وقد يضيع منك ومنها وقتا كبيرا، وفي كل الأحوال أنت مطالب بأن تستر عليها، بل أن تبالغ في الستر عليها.
إذا أردت أن تنسحب فبنفس الهدوء وبنفس الخطوات دون أن تذكر العيوب والأسباب؛ لأن هذا هو الذي يريده هذا الدين العظيم الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.
إذا الحياة الزوجية نحن لا نريد أن تبنى على شكوك أو على تردد أو كذا، فإما أن تكون إنسانا حريصا على أن تستر عليها وتسعى إلى تصديقها، فعند ذلك لا يجوز لك أن تذكرها أو تذكر لها ما حصل منها، عليك طي تلك الصفحة إلى الأبد، أما إذا كان ليست لك قدرة على هذا فمن الآن من مصلحتك أن تبعد عن طريقها، وأن تخرج عن حياتها، حتى تعيش وتسعد هي وحدها في حياتها.
كما ذكرنا ونكرر إذا قررت الخروج والابتعاد فلابد أن يكون وفق الآداب الشرعية التي شرفنا الله تبارك وتعالى بها، فإن الإنسان حتى عند الطلاق قال الله تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}، وأنت ولله الحمد في المراحل الأولى فما ضاع منك ولا منها شيء، فعليك إذا أردت أن تنسحب أن تحسن الاعتذار، وتحرص على صيانة الفتاة والستر عليها، لأنها في مقام الأخت وفي مقام البنت، والإنسان لا يرضى لبنته ولا لأخته الشر، فالمؤمن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، ويكره لإخوانه ما يكره لنفسه.
نوصيك بتقوى الله تبارك وتعالى، ثم بالاستخارة، لأن الإنسان إذا تحير في أمر فإنه يصلي لله ركعتين، ولأهمية هذه الصلاة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمها لأصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن، والاستخارة هي طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير، ولن يندم من يستخير ويستشير ويتوكل على الخالق القدير سبحانه وتعالى.
عليك أيضا أن تجتهد فيما يرضي الله تبارك وتعالى، وتسارع بالحسنات، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وعليك كذلك أن تتجنب التعامل مع أولئك الفساق الذين همهم أن يفسدوا في الأرض ولا يصلحون، الذين همهم أن يفسدوا مثل هذه العلاقات، أن يفسدوا على الناس حياتهم، وهؤلاء الذين يعبثون بالأعراض ويل لهم ثم ويل لهم، وليتهم علموا أن صيانتنا لأعراضنا تبدأ من صيانتنا لأعراض الآخرين، والإنسان إذا اعتدى على أعراض الآخرين فإنه يجعل عرضه في مهب الريح – عياذا بالله رب العالمين - ثم عليك بالدعاء والتوجه إلى رب الأرض والسماء، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها.
نسأل الله العظيم لك التوفيق والسداد، وأن يقدر لك الخير، ويلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه، ونكرر ترحيبنا بك في موقعك.
______________
انتهت إجابة الدكتور أحمد الفرجابي المستشار الشرعي/ تليها إجابة الدكتور محمد عبدالعليم الأخصائي النفسي لمزيد فائدة فأجاب قائلا:
كما ترى أن إسلام ويب حريص جدا أن يعطي النصيحة والإرشاد السليم، ولذا عرضت استشارتك أولا على الشيخ الفاضل الدكتور أحمد الفرجابي، وهو من أفضل المختصين والدعاة - هكذا نحسبه والله حسيبه - وأريدك أخي الفاضل وبما أني طبيب نفسي أن تأخذ كل كلمة وردت في الإجابة المتميزة أفاض بها الدكتور الفاضل أحمد الفرجابي.
الذي أريد أن أضيفه هو أن ألفت انتباهك أن العلاقات قبل الزواج بكل أسف معروفة وموجودة في جميع المجتمعات، حتى في مجتمعاتنا الإسلامية بكل أسف، هذه العلاقات تتفاوت في درجاتها، والذكور أعطوا أنفسهم الرخص لأن تكون هذه العلاقات مقبولة ومباحة بالنسبة لهم، ولكنها مرفوضة لمن يريدون الزواج من الفتيات، لكن الواقع غير ذلك.
الدراسات الأوروبية تشير أن حوالي خمسة وسبعين بالمائة من الذين يكتمل زواجهم كانت لهم علاقات مع أشخاص مختلفين قبل الزواج، وهذه العلاقات قد تكون وصلت إلى مرحلة العلاقة الجنسية.
في مجتمعاتنا الإسلامية نستطيع أن نقول أنه لا توجد أرقام دقيقة، لكن الثابت ومن خلال بعض المؤشرات أن حوالي خمسين بالمائة من الشباب كانت لهم علاقات مع فتيات لم يتم الزواج منهن، لكن قطعا لا نستطيع أن نقول أن هذه العلاقات وصلت إلى درجة العلاقة الجنسية، هذا لا نعتقد أنه وارد.
أما بالنسبة للفتيات فنستطيع أن نقول أن نسبة ثلاثين إلى خمسة وثلاثين بالمائة كان لديهن علاقة مع شخص آخر ومن ثم تزوجن بشخص آخر.
أيضا العلاقات لا نستطيع أن نقول وصلت إلى علاقات جنسية كاملة، وإن كان هنالك بعض الشبهات مثل أن تخرج الفتاة مع شخص ما، وأن يكون هنالك نوع من الكلام الودي لدرجة ما نسميه في علوم النفس بـ (التليين)، ويقصد به أن يطرح الشاب بعض المحاور في مواضيع يناقشها لا تحمل الطابع الجنسي المباشر، لكنها تثير غرائز الفتاة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
هذه حقائق مهمة أريدك أن تستدركها، وأقول لك أنك بفضل من الله تعالى قد علمت نوعية العلاقة التي كانت عليها هذه الفتاة؛ لأن الدراسات تشير أيضا إلى أن حوالي تسعين إلى خمسة وتسعين بالمائة من الذين يتزوجون بفتيات كان لهن علاقات سابقة لا يكون لهم أي علم بهذه العلاقات.
إذن أنت تعتبر لا أقول محظوظا، لكن تعتبر إلى حد كبير أن الأمر قد كشف أمامك بوضوح شديد، وهذه نعمة كبيرة من الله تعالى، وكما ذكر لك الشيخ أحمد الفرجابي: أرجو أن تتخذ قرارك على أساس أن هذه الفتاة قد تابت إلى الله تعالى وطهرت نفسها تماما، وهذا أمر عظيم، أما إن كانت تنتابك شكوك حول المستقبل ففض هذا الأمر وفك الارتباط هو الحل، والأمر يجب أن تتدارسه، وعليك أن تستخير الله.
بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا أرى أن عقار زيروكسات دواء جيد ومتميز، وما دمت تتناوله الآن، فقط ارفع الجرعة واجعلها حبة ونصف يوميا لمدة شهر، ثم اجعلها حبتين يوميا لمدة شهر، ثم أنقصها إلى حبة ونصف يوميا لمدة شهر، ثم أنقصها إلى حبة واحدة واستمر عليها لمدة ستة أشهر - مثلا - ثم اجعلها نصف حبة يوميا لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.