كيف نواسي المصاب في مصابه حتى يكون من الصابرين؟

0 532

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قريب لي مستقر عائليا، وله أسرة من 3 بنات وولد، وهو مسلم وأسرته مسلمة ومتدينة وملتزمة.

الرجل يحترم أهله وبيته وزوجته، ويحكمهم بالإسلام، خرج مع زوجته للفسحة في سيارتهم التي اشتروها حديثا ليلا، وحدث لهم حادث سيارة، وتوفيت الزوجة ونقل الزوج بين الحياة والموت فاقدا للوعي، أجريت جراحات لإصلاح رجله المكسورة، وتم تركيب مسامير وغيرها.

عندما بدأ الوعي يعود إليه كان سؤاله الوحيد عن زوجته، ونحن نخفي عنه موتها ودفنها حرصا على ظروفه المرضية الحالية، لحين خروجه من المستشفى وعودته لبيته وعندها سيعلم.

المشكلة نخاف من وقع الخبر عليه، نرجو المساعدة كيف نخفف عنه؟ وكيف السبيل لتوصيل الخبر بطريقة تدريجية يقبل بها، وأنه قضاء الله وقدره؟

نرجو سرعة الرد لأن أمامنا يوما واحدا أو يومين لخروجه وعندها ستقع الواقعة.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ السيد عطيه عبدربه سعيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يطيل في عمرك على الطاعة، وأن يرزقنا وإياك حسن خاتمة.

كما نسأله جل جلاله أن يربط على قلب صاحب المصاب، وأن يخفف عنه آلامه، وأن يعوضه خيرا عما فقد، وأن يجزيه خيرا في الدنيا والآخرة، وألا يحرمه مقام الصابرين ولا منزلة الشاكرين.

بخصوص ما ورد برسالتك - والدنا الكريم الفاضل – فإنه مما لا شك فيه أن أسرة بهذه التركيبة وبهذا التكوين أسرة نادرة، وجدير فعلا بأن تكون مترابطة متآلفة متعاونة متحابة، وهذا الذي ذكرته من سؤال هذا المصاب – شفاه الله تعالى وعافاه – أول ما سأل، أو كان سؤاله الوحيد عن زوجته، يدل فعلا على مدى عمق العلاقة بين هذه الأسرة الطيبة المباركة، ونسأل الله أن يرحم هذه الفقيدة وأن يسكنها الفردوس الأعلى، وأن يعوض زوجها وأولادها عنها خيرا، إنه جواد كريم.

أما عن قضية مسألة التدرج وتوصيل الخبر له، فأنا أولا أعتذر، لأن الرسالة قد وصلتني متأخرة بعد خروج الوقت، وأنت تقول خلال يوم أو يومين تحتاج إلى معرفة الطريقة التي بها يتم الخبر، وذلك نظرا لكثرة الاستشارات التي ترد إلى الموقع وحاجة الاستشارات إلى نوع من الترتيب والمتابعة، وهذا يؤدي حقيقة رغما عنا جميعا بالموقع إلى تأخر بعض الرسالات في عرضها على الإخوة المستشارين، فنحن نعتذر لك عن تأخير الرد، وأيضا نعتذر مرة أخرى لكل صاحب رسالة نتأخر في الرد عليه إما لظروف خاصة بالموقع أو لظروف خاصة بالمستشارين، ونسأل الله تعالى أن يعيننا على أن نكون عند حسن ظن الجميع.

أما عن الطريقة التي كيف نستطيع أن نوصل إلى هذا الرجل الخبر بطريقة تدريجية؟ أقول: إن مثل هذا العبد الصالح لا يحتاج حقيقة إلى موضوع تدرج كغيره من عامة الناس، فإنه مهما كان متعلقا بزوجه ومهما كان يحبها إلا أنه يعلم أن قضاء الله غالب، وأن قضاء الله سابق، وأن الله لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، وهذا يجعل الأمر أهون بكثير بالنسبة له، لأن العبد المؤمن الصادق في إيمانه الملتزم بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أن هذه آجال محتومة مقدورة، وأنه كما قال الله تبارك وتعالى: (فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).

لذلك هو يسلم الأمر لله تبارك وتعالى ويرضى بقضاء الله وقدره، ويكون ممن قال الله فيهم: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.

نعم نحن في حاجة أن نراعي ظرفه الصحي والنفسي، وهذا هو جهد البشر، ولكن يبقى أن النتيجة هي النتيجة، بأنه قد فقد زوجه، وأيضا أصابه ما أصابه من هذه الظروف الصحية الخاصة به، هو يحتاج إلى نوع من المواساة الدائمة، وعندما يخرج من المستشفى ويذهب إلى بيته، وهو سيعلم قطعا، وأعتقد أنه قد خرج الآن، وأصبح الأمر واقعا.

كل الذي يحتاجه الآن إلى نوع من المواساة التامة الدائمة المستمرة، لأنه سيشعر بفراغ عظيم في حياته الخاصة والعامة، وأولاده أيضا معه، وهم يحتاجون جميعا إلى نوع من التواجد، بمعنى أنك إذا كنت قريبا منهم فوجودك ووجود الطيبين الذين يحسنون المواساة وجبر الخواطر، أعتقد أنه ضروري جدا خلال هذه الفترة حتى تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي اليومي، لأن الله تبارك وتعالى جل جلاله خلق النسيان للإنسان رحمة، ولذلك جعله سنة فينا ميراثا من أبينا آدم عليه السلام، كما قال الله تبارك وتعالى: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي}.

فالنسيان رحمة من الله تبارك وتعالى، ولذلك يكون المصاب في أوله عظيما والإنسان يكاد يموت من شدة وقع الخبر عليه أو الحدث، ولكن إنما الصبر عند الصدمة الأولى، ولكن مع الأيام تبدأ هذه الشدة تخف شيئا فشيئا، حتى تعود المياه إلى مجاريها، رغم ما في النفس من جراح، إلا أنها لا ينبغي أن تقعد الإنسان عن الحركة والاستمرار في الحياة، لأن الله تبارك وتعالى جعل الناس جميعا يحبون الحياة ويتعلقون بها، وهذا أمر مكتوب على جميع البشر، وقد قال الله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات} ثم قال: {وبشر الصابرين} من هم؟ {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون} ما لهم؟ {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}، والناس تحرص على الحياة ويكرهون الموت، وما سمعنا عن أحد مات لموت عزيز عليه، لأن هذا أمر خلاف الفطرة، وإن كان قد حدث هذا فهو شاذ ونار والشاذ لا حكم له.

أقول: هؤلاء يحتاجون – والدنا الكريم السائل (السيد عطية) – إلى مواساة مستمرة خلال هذه الفترة، بأن يتواجد معهم ما هو من وسائل كلمة طيبة وعبارات حانية من أمثالكم، وكذلك من النساء أيضا مع الفتيات، وأن يتواجد الشباب معهم لفترة حتى يعبروا هذه المرحلة ويعودوا إلى وضعهم شبه الطبيعي الذي لابد وأن يكونوا عليه.

أسأل الله تعالى أن يجزيك عنهم خيرا، كما أسأله تبارك وتعالى أن يسكن هذه الفقيدة الفردوس الأعلى، ونسأله جل وعلا أن يربط على قلب زوجها وأولادها، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات