السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلتي أن أهلي يفعلون المعاصي من الكبائر, مثل التعطر للبنات, ولبس البنطال الضيق, والتبذير في كل شيء, وسماع الأغاني, ومتابعة البرامج المحرمة, مصرين مستصغرين هذه الذنوب, وإذا نصحت لهم وذكرتهم بالله يستهزئون بنصيحتي, وتأخذهم العزة بالإثم, ثم تتطور الأمور إلى مشكلة وقطيعة تستمر أشهرا.
أنا لا أستطيع أن أسكت على هذه الذنوب خوفا من أن أحاسب على تركي لهم, ولكن كلما حاولت نصحهم تتطور الأمور إلى مشاكل ومشادات وقطيعة تدوم أشهرا, ولا أستطيع أيضا أن أرى المعاصي وأسكت عليها, فهل يجوز لي هجرانهم أم ماذا أفعل؟ وهل أعتبر عاقا إن قاطعتهم لارتكابهم هذه الكبائر؟ وهل يجوز لي السكن بعيدا عنهم؟ وهل أحاسب إن تركتهم وما يعملون من المعاصي؟ علما أني نصحت لهم مرارا وتكرارا.
وجزاكم الله خير الجزاء إخوتي في الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر البكري حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نشكر لك هذا الحرص على هداية أهلك، ونشكر لك هذا التواصل مع موقعك، ونسأل الله أن يكثر من أمثالك، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يقر عينك بصلاح الأهل جميعا، هو ولي ذلك والقادر عليه.
ندعوك إلى الاستمرار في دعوتهم والنصح لهم، ولا شك أن بعدك عنهم لن يزيد الأمور إلا سوء، فعليك أن تواصل النصيحة وتغير في أساليبها وتبدأ بأفضلهم وأقربهم إلى الخير والحق، وحاول أن تحسن إليهم، وتكون معهم حيث يكونوا في الطاعات، وعليك كذلك أن تجتهد في نصحهم عندما يقعوا في المعاصي والموبقات، واعلم أن رسولنا - عليه صلوات الله وسلامه – خاطبه العظيم في بدايات الدعوة فقال: {وأنذر عشيرتك الأقربين} فهم أولى الناس بكل خير، أولى الناس بكل نصح، ولا شك أن المنكر وأهل المنكر الشيطان يوزهم ويدفعهم، وقد يستهزئوا بك وقد يرفضوا نصحك، لكن هذا لا يبرر لنا البعد عنهم والتقصير في النصح لهم.
طبعا أنت عليك أن تستمر في النصح، ولكن أرجو أن تغير طريقتك في نصحهم، بأن تحرص على المجيء بالبدائل الطيبة، أن تحرص على نصح العقلاء منهم والفضلاء، أن تحرص على النصيحة الفردية، بأن تختار الوقت المناسب للنصح، تختار الألفاظ المناسبة للنصح، ومن اختيار الوقت المناسب للنصح ألا تنصحهم لحظة لبوسهم بالمنكر ولحظة جلوسهم أمام المعاصي، لأن الشيطان حاضر، ولكن في أوقات الصفاء، أوقات السعادة أوقات الابتسامة، تحاول أن تبين لهم أن فيهم خير، ولكن ما أحوج هذه الخيرات إلى أن يبتعدوا عن تلك المعاصي والموبقات.
اعلم أن الطبيب الناجح إذا وجد في المريض عددا من الأمراض فإنه يبدأ بأخطرها، فلا يمكن أن نعالج الزكام ويشتغل به ويبدأ بعلاجه لمريض عنده مشكلة في القلب، ونحن نعتقد أن المشكلة في القلب، فلذلك ينبغي أن تعمق عندهم الإيمان، وتذكرهم بمالك الأكوان سبحانه وتعالى، وتستفيد من المواقف التي تحدث كموت إنسان أو نحو ذلك في التذكير بالله تبارك وتعالى، أو كمرض أحدهم، تزوره وتكرمه وتهتم به، ثم تبين له ما فيه من الخير وتدعوه إلى الإنابة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، لأن الإنسان ضعيف.
إذا نجحنا أن نغتنم لحظات الضعف – لحظات الانكسار، لحظات المرض, الحظات التي يكون فيها الإنسان مهيئا لسماع الكلام – بعد أن نقدم بين يدي كلامنا الدعاء لهم قبل أن ندعوهم، نقدم كذلك لهم أصنافا من البر والإحسان.
أرجو أن يعلم كل شاب متدين من أمثالك أن هؤلاء الناس يحتاجون إلى شفقة، يحتاجون إلى عطف، يحتاجون إلى رحمة، والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط ولا يصبر. فلا تجعل الشيطان ينفرد بهم، وأحسن إليهم، وإذا وصلوا إلى درجة الغضب والقطيعة فكن أنت المبادر للصلح، كن أنت المبادر بالاتصال بهم، والسؤال عن أحوالهم والوقوف إلى جانبهم، فإن هذا سيكسر حدة عدواتهم، ويكسر حدة قطيعتهم وإحسانك لهم.
عليك بالإحسان لهم، والصبر عليهم، ومواصلة النصح لهم، فأنت لا تدري متى تأتي الساعة التي تكون فيه الاستجابة، وكما قلنا دائما بعد المصلح عن الناس تترتب عليه أضرار أكثر، وأنت ولله الحمد إذا قاطعوك أو قصروا في حقك – أو كذا – فأنت رجل محتسب، ولابد للآمر بالمعروف أن يواجه الصعوبات، ولذلك قال: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر} ثم قال بعدها: {واصبر على ما أصابك} فهذه نتيجة طبيعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقديم النصيحة {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور}.
عليك بالإحسان وعليك بتغيير الخطة التي تعمل وفقها معهم، وعليك بتنويع أساليب النصح لهم، في الاجتهاد كما قلنا في اختيار الأوقات المناسبة، أيضا الانفراد بالأفاضل منهم، يعني دائما النصيحة الجماعية جدواها قليلة وضعيفة، لأن الشيطان حاضر، وإذا كان هناك إنسان سيئ وعاص فإنه قد يشوش على الآخرين، ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم – في بدايات الدعوة دعا أعمامه وعماته – يبلغ أمر الرسالة - لكن تكلم الشقي (أبو لهب) فقال: لا تتركوه، خذوا على يده، نحن ما نستطيع أن نحارب جميع القبائل. فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم – ولم يتكلم بكلمة. ثم دعاهم في المرة التي بعدها جميعا ما عدا ذلك الشقي، فأسلم في ذلك اللقاء الثاني المبارك عدد من الأعمام والعمات.
لاحظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم – ما أصبح الجو ملغما غير صالح لم يتكلم بكلمة، ثم داعهم مرة أخرى ما عدا ذلك الشقي الذي دائما كان يشوش على الدعوة ويعطل مسيرها، دخل من أعمام النبي - صلى الله عليه وسلم - عماته في دين الله تعالى.
هذا ما نتمنى أن تحرص عليه، وتحاول أن تفعل فعله - صلى الله عليه وسلم - بأن تجتهد في أن تختار الأوقات المناسبة، تغتنم الفرص، تحسن إليهم، تقف إلى جوارهم، تساعد محتاجهم، لأنهم أرحام والإحسان إليهم مطلوب، والصبر عليهم كذلك مطلوب، ومن صلتهم دعوتهم إلى الله تبارك وتعالى.
أيضا ينبغي أن تختار الأسلوب الذي لا يجلب لك الإساءة ولا يجعل الجو يتوتر بينهم، وإن هاجروك فصلهم، وكن كذلك الرجل الذي جاء فقال: (لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عليهم ويجهلون علي) لم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقاطعهم، وإنما بشره فقال: (لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل) يعني كأنك تطعمهم الرماد الحار، كناية عما يدخل عليهم من نقص وأذى لأذاهم لك، (ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) وهذه بشارة أخرى أن الله يؤيدك ويناصرك.
نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأقر عينك بصلاحهم وهدايتهم.