أغار على زوجي بشدة فكيف أقلل من هذه الغيرة؟

0 891

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

عندي مشكلة مع زوجي لكنه لا يعلم أني أعاني منها، ولا أستطيع البوح له.

أولا: زوجي متفتح، ولكنه محافظ قليلا، وأنا نشأت في بيئة ملتزمة جدا، وعودنا والدي منذ صغرنا على كثير من أمور الدين، والمشكلة أن زوجي مبتعث وأنا مرافقة له، وبحكم طبيعته المتفتحة فإنه يدرس في جامعة مختلطة، ويتراسل مع بعض الفتيات لهدف الدراسة، في البداية اتفقنا على أن يتواصل معهن بالرسائل على الفيس بوك فقط للدارسة لضرورة ذلك، ولكنهم يضعونه في جامعته مع مجموعات فيها فتيات، وليس بيده شيء لتغيير ذلك، فهذه قوانين الدراسة.

ولكنني أتضايق مع ذلك كثيرا، وقلبي يؤلمني عندما أراه يتراسل معهن، طبعا ليس أمامي، لكنني عندما أفتح جواله أرى كلاما عاديا عن الدراسة مع كلام آخر، مثل أن تقول له الفتاة: (إننا في حفلة موسيقية الآن، وعندما ننتهي نتفق على المحاضرة، فيجيبها "وااااو" أين هي؟ ويكمل كلامه عن الدراسة، أعلم أن زوجي من النوع المجامل، ومتأكدة أنه يفعل ذلك لمصلحة دراسته بأن يرد عليهن بأي رد؛ لكي يأخذ مصلحته الدراسية منهن، فهذا طبعه, مع العلم بأن جميع من يدرس معهن كفار, لكنني أتألم من رده هذا, وأغار جدا عليه, وأحيانا أشك فيه، وأفتش أغراضه دون علمه، لكن ضميري يؤنبني كثيرا على ظني السيء به أحيانا، ولا أستطيع أن أصارحه بكل شيء في قلبي لأنني صارحته قبل ذلك وغضب، وأصبح لا يكلمني، ويعاملني بجفاء، وأخبرني أنه يخاف ربه قبل أن يخاف مني ويحسب حسابا لي.

وعندما اعتذرت منه على ظني به، وأخبرته بأن نفتح صفحة جديدة يقول لي بأنه لا يكلمني لأجل أن لا يغضبني وأنني حساسة وكثيرة البكاء في نظره، وهو يكره البكاء، أوقاتا كثيرة أنتظر خروجه من البيت لكي آخذ راحتي في البكاء، تعبت وأصبحت لا أشكوا له شيئا؛ لكي لا أعكر مزاجه وأغضبه، ولا أحد يعلم ما في قلبي سوى ربي، لكنني أريد نصيحتكم كيف أتصرف معه، وماذا أفعل؟ علما أنه الآن ليس غاضبا مني, لكني أشعر بقهر منه ومن تصرفاته ماذا أقول له؟

هل أنا متشددة معه أو أغار عليه زيادة؟ كيف لا أتعلق به، كيف لا أغضب ولا أبالي ولا أحزن عندما أرى شيئا يغضبني منه وهو يراه عاديا بحكم انفتاحه؟

أنا كتومة جدا وصامتة أكثر منه، وأحب أن أستمع له، ولا أستطيع التعبير له عن ما في قلبي من ضيق سوى بالرسائل، لكنه لا يرد علي، بل يتغير يوما يومين للأفضل ثم يرجع كما كان، ولا أشعر باهتمامه لكلامي عندما أكلمه بجدية، وأغلب أموره مزاح وسخرية، أتمنى أن تساعدوني في كيفية التعامل معه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ارتقاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله، وصحابته ومن والاه.

بداية: نشكر لك هذه الغيرة على زوجك، ونرحب بك في موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد.

الغيرة لا شك أنها صفة جميلة، لأنها تعني أن الإنسان يكره الذي يزاحم في خصوصياته وأخص خصوصيات الزوجة زوجها، وأخص خصوصيات الزوج زوجته، ولذلك فالغيرة مطلوبة، ولا يتصور وجود حب دون غيرة.

هذه المعاني ينبغي أن تكون واضحة لك ولزوجك الذي ينبغي أن يحمد فيك هذه الغيرة وهذا الحرص على الخير؛ لأن هذا دليل على أنك تحملين تجاهه مشاعر نبيلة، وأنك تضعينه في أرفع المنازل، وحق له أن يفاخر بزوجة تخاف عليه.

ولكن هذه الغيرة منها ما هو ممدوح، ومنها ما هو مذموم، فالممدوح منها ما كان في الريبة، وفي مواقف صحيحة، والمذموم ما كان في غير ريبة، ولا يخفى على أمثالك أن دين الرجل وأن إخلاص الرجل وصدقه مع الله -تبارك وتعالى- وصدقه في علاقته بزوجته، عاصم له بحول الله وقوته من السقوط في الهاوية، وإن كنا لا نوافق هذا الزوج على ما يحصل منه، فإننا سعداء بأنك واثقة منه أنه متدين، وليته علم أن ما يحدث لا يرضي الله -تبارك وتعالى-، لكن ينبغي أن تأخذ الأمور حجمها المناسب، فلا تعكري على نفسك وعلى زوجك، واعلمي أن هذه الأمور لا تتغير بسهولة عند رجل اعتاد أن يكلم النساء أو يكون مع النساء، أو عند رجل يعيش في بلاد بهذه الطريقة، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يحفظ شبابنا وشباب المسلمين.

وقد أحسنت جدا في ذهابك معه لتكوني إلى جواره، فبالغي في إكرامه، وتزيني له، وأظهري له ما عندك من مفاتن، وعامليه معاملة جيدة، واجعلي بيتك بيئة جاذبة، وتجنبي البكاء والأحزان، فإن الزوج يريد زوجة مرحة تضحك معه، وتدخل عليه السرور والأنس، خاصة عندما يكون في بلاد غريبة وفي مثل هذه الظروف.

فاحرصي على أن تكثري له ولنفسك من الدعاء، ولا تظني به الظن السيئ، وتجنبي البحث في هاتفه بعد أن تيقن لك أن العلاقة هي علاقة للدراسة، وحتى المخالفات التي فيها هي مما تقتضيه المجاملة، عندما يقولون له (نحن في حفلة)، فيقول: (أين) أو نحو ذلك؟ هذا نوع من المجاملة، ولا يعني أنه يريد أن يذهب أو يشارك في تلك الحفلات.

فعاوني زوجك على الخير، ولا تسيئي به الظن، ولا تبحثي ورائه، فأنت عرفت الآن أنه متساهل بعض الشيء، فعليك أن تستمري في العلاج، دون أن تشعريه أنه في موضع الاتهام؛ لأن الرجل إذا شعر أن المرأة لا تصدقه وأنها تتهمه، وأنها لا تثق به، فهذا يدفعه إلى الهاوية، كما أن تتبع العورات وتتبع أسرار الزوج والنظر في جواله، هذا لا يرضاه الشرع الحنيف، وسيترك آثارا سالبة على نفس الزوج إذا علم أنك تنظرين من ورائه، وتنبشين في أغراضه.

فاتقي الله -تبارك وتعالى- في نفسك، واعلمي أن الطبيب إذا عرف المرض لا يعيد الفحص، وإنما يبدأ مسيرة العلاج لهذا المريض، وهذا هو الذي يحتاجه هذا الزوج، فيسري له الجو المناسب، وكوني قريبة منه، وعندها ستبتعد عنه شياطين الإنس والجن بقربك منه، وبإظهارك لمفاتنك، وبحرصك على إدخال السرور عليه، وأنت -ولله الحمد- على خير، لكن كل شيء ينبغي أن يكون بمقدار وحكمة، والشيء إذا زاد عن حده ينقلب إلى ضده، فاحمدي الله -تبارك وتعالى- على ما أنت فيه من نعمة، واحمدي الله على هذا الزوج الذي فيه حرص على الخير، وفيه شيء من الالتزام -كما أشرت- واعلمي أن هذه البعثة ستنتهي، وأنه سيعود إلى دياره، وتعودون إلى دياركم آمنين.

فحاولي أن تغرسي عنده معاني الإيمان، والمراقبة لله -تبارك وتعالى-، واجعلي في بيتك حلقة للذكر والطاعة، وليس من الضروري أن تقولي له (لأنك كذا، ولأنك تفعل كذا، ولا تفعل كذا)، ولكن إذا زاد الإيمان، إذا زادت المراقبة لله -تبارك وتعالى-، فإن الإنسان يبتعد عن مثل هذه الأمور، ويتجنب الخوض فيها والوقوع فيها، ونسأل الله -تبارك وتعالى- لكم الحفظ والصيانة، ولا تعطي الأمور أكبر من حجمها، وتجنبي تواصل الأحزان، واعلمي أن هذا من الشيطان الذي همه أن يحزن الذين آمنوا، والله يقول: {وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله}.

وإذا كان الزوج عنيفا عندما شعر أنه متهم فلا تكرري الاتهام، ولا تعكري على نفسك وعلى زوجك، فأنت بحاجة إلى الزوج في هذه الغربة وهو بحاجة إليك، بل أنت في الأصل ما ذهبت معه إلا لصيانته وصيانة نفسك ومعاونته على الغربة التي يجد فيها الإنسان صعوبة، ويحتاج فيها إلى الشفقة وإلى الإحسان وإلى الاهتمام، فاهتمي بزوجك، ولا تعطي كلامه أكبر من حجمه.

وحاولي أن تكوني مرحة معه، وحاولي أن تدخلي إلى حياته، وساعديه فيما يحتاج إليه، واعلمي أنك -ولله الحمد- على خير، وما فعلته صواب، لكن لا تحملي نفسك فوق طاقتها، ولا تتبعي عثرات الزوج، ولا تتجسسي عليه، ولا تضعيه في مواضع التهم، ولا تشعريه أنه في مكان الظن السيء، ولكن نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يحفظك وأن يسددك، فتفرغي للعبادة والطاعة، وتوجهي إلى الله -تبارك وتعالى-، واسألي الله أن يصرف قلبه عن كل امرأة سواك أنت، فإن قلب الزوج وقلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها.

نكرر ترحيبنا بك في موقعك، ونسأل الله أن يكثر من أمثالك من الحريصات على الخير، وشكر الله لوالدك حسن التربية، ونسأل الله التوفيق للجميع.

مواد ذات صلة

الاستشارات