السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة أود أولا شكركم على مجهودكم الكبير في مساعدة عامة المسلمين، وأهنئكم بحلول شهر رمضان الكريم، كل عام وأنتم بخير، وأنتم من وجهة نظري الشخصية -وأعتقد أنها وجهة نظر كثير ممن راسلكم من قبل- كنتم نبراسا يضيء في هذه الشبكة ليسعد عامة المسلمين، فجزاكم الله كل خير.
أنا شاب من مصر, أبلغ من العمر 26 عاما، لا أعلم من أين بدأت المشكلة، ولا أدري إن كانت هذه المشكلة هي مشكلتي أنا الشخصية أم أنها مشكلة والدي؛ الذي بلغ من العمر 70 عاما، وحقيقة أود منكم أن يتسع صدركم لفهمها بالكامل، وهذا لثقتي الكاملة بكم.
أولا: حينما أبصرت الحياة وجدت نفسي ولدا وحيدا مع ثلاث بنات, وهن أكبر مني سنا، وكانت حالتنا المادية مرتفعة جدا, فأبي في منصب مرموق, كما أن لدينا كثيرا من الأملاك، وجدت نفسي مدللا لدرجة كبيرة، كان بيتنا يمتلىء بالضيوف، وجدت أن بيتنا هو أكثر بيت كرما في قريتنا، أبي وأمي يعطوا جميع من يسأل, ولا يحسبون للمال حسابا, ولا يحسبون لمستقبل أولادهم حسابا.
ثانيا: مع مرور الزمن وعندما وصلت لسن 18 عاما، وفي مرحلة دخولي للجامعة كانت الكلية التي أريد الالتحاق بها تطلب رسوما عالية بعض الشيء، فهي جامعة خاصة, لأنني لم أحصل على مجموع كبير يدخلني الجامعة الحكومية، وفوجئت بأن أبي يقول لي إني لا أستطيع دفع هذه المصاريف لأنه ليس لدي مال يكفي، فتحمل أخي لأمي مصاريفي طوال 5 سنوات في الكلية برغبته هو.
ثالثا: منذ بداية مرحلة الطفولة وحتى وصولي للجامعة وأنا أسمع انتقادات من أقاربي, وأبناء عمومتي, وأبناء أخوالي, وهذه الانتقادات عبارة عن استهزاء من طريقة تصرف أبي بماله, فهو لا يستثمره, ولا يكتنزه, ولا يحسب للمال حسابا, ولا يحسب لمستقبل أبنائه حسابا، وينفق هنا وهناك, فهو يعشق الحياة, ويغتر بزينتها، يحب السفر، يستطيع التنازل عن حقه المالي إذا كان هذا يحول دون الصدام بينه وبين أحد، فهو يفكر فقط في يومه الذي يعيشه, لا يفكر مطلقا في غده.
رابعا: عندما وصلت للسنة الثانية في الكلية التي أدرس بها وكان عمري أنذاك 20 عاما، أصبت بالقلق الشديد والخوف الشديد، وبعد معاناة انتهى تشخيص الأطباء أني مصاب بقلق ومخاوف، قدم أخي -أخي لأمي- كل شيء, ودفع تكاليف علاجي, وما تطلبه العلاج من سفر وغيره, لمدة عامين كاملين، وكان أبي ضعيف الشخصية لا يملك إلا أن يلومني على مرضي ويتهمني أني ضعيف, ولا أقدر على المواجهة وغير ذلك.
خامسا: عندما تخرجت من الكلية وكنت فى سن 22 عاما، لم أجد عملا، وكان أبي طوال حياتي يعدني بالحياة الوردية, وأنه سوف يفعل ويفعل لي، وكان هو من يقوم بتقديم فرص العمل للآخرين دون مقابل, وها هو الآن لا يستطيع أن يجد لابنه فرصة عمل.
سادسا: كانت الفاجعة بالنسبة لي عندما قال لي أخي لأمي إن هذا هو حال أبيك طوال حياته، ينفق هنا وهناك ولا يدخر شيئا، يساعد الناس جميعا, وعندما يريد مساعدتهم لا يجدهم، يضيع كل ما يملك هباء, ولا يحسب حسابا لمستقبل أبنائه.
اندهشت أكثر لما علمت من والدي قدر الأملاك التي ورثها من والده, والتي قام أيضا بإضاعتها, وزاد هذا عندما علمت من أخي أن أبي يقوم بالاقتراض من أقاربه ومن البنوك؛ لسد مصاريف المنزل، مع أن منزلنا ليس بحاجة لكل هذه الأموال، فيكفيه راتب والدي، وقد وصلت هذه المبالغ المقترضة حدا كبيرا.
سابعا: أنا وأخواتي لا ننكر أبدا أن أبانا كان كريما معنا لأبعد الحدود، وكان يصرف علينا ببذخ، ولكن أنا الآن ألومه على سوء تصرفه في إدارة أملاكه، وعدم ادخار شيئا لنا عندما كبرنا.
ثامنا: بعد علمي بكل ما سبق, وتضافر جهودي وجهود أخي وأخواتي؛ قمنا بسداد كل هذه المبالغ.
تاسعا: أنا الآن دائم التفكير في هذه الأشياء، فكري دائما مشغول بوالدي، أقول لنفسي لماذا أبي فعل هذا؟ لماذا لم يدخر شيئا لنا؟ لماذا كان يتصرف بهذه السذاجة؟ وقال لي أخي إن أباك مريض نفسيا.
أقول لو أن هذا المال موجود الآن، ودائما ألمح بهذا في حديثي معه وألومه، مع إحساسي أن الناس كانوا يعاملونا فقط من أجل أن يحصلوا على مصالح شخصية لهم، فكرهت أقاربي, وكرهت الناس، ماذا أفعل هل أبي بالفعل مريض نفسيا؟ وماذا أفعل في نفسي؟ فقد تعبت من كثرة التفكير ولوم نفسي، فقد أصابني القلق, ولا أشعر بمتعة في الحياة.
أفيدوني أفادكم الله, ماذا علي أن أفعل؟ فأنا في ضجر كبير, أشعر أن حياتي تتساقط, وأحلامي تنتهي, وأبي يسقط من نظري.
أرجو الإجابة على استشارتي من الدكتور محمد عبد العليم، جزاه الله خيرا.
ولكم مني كل المحبة والشكر.