كيف أرد المظلمة للآخرين دون علمهم؟

1 854

السؤال

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
السلام عليكم.

أنا شاب أبلغ من العمر 24 سنة، أثناء سفري ظلمت شخصا بدون قصد، أي أنني لم أدرك هذا إلا بعد فوات الأوان، ولم أستطع أن أجده لأطلب منه المسامحة, وأنا متأكد من أنني لن أجده أبدا, وأخاف ألا يسامحني، فما العمل؟

أحيطكم علما أن هذا الشخص امرأة، وكانت تحمل ابنها في يدها، وأن المشكلة ليس معاكستها أو شيئا من هذا القبيل، ولكن القصة طويلة وسيطول شرحها.

أفيدوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ayoub حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..

نرحب بك في موقعك، ونشكر لك هذه المشاعر النبيلة، ونهنئك على هذه النفس اللوامة التي لامتك على التقصير وعلى ذلك الظلم، ونبين لك أنه ينبغي أن يكون هكذا المؤمن يحرص في هذه الدنيا على أن يتخلص من ظلم من ظلمهم, ومن غيبة من اغتابهم قبل ألا يكون دينارا ولا درهما، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم– يقول: (من كان عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منه الآن قبل ألا يكون دينار ولا درهم) ولذلك كان السلف يحرصون على تصفية حساباتهم، إذا شعروا أنهم ظلموا إنسانا طلبوا عفوه وطلبوا منه السماح، حتى يخلصوا أنفسهم، وهذا كان ديدن الصحابة، بل كان الخلفاء الراشدون، فهذا عثمان بن عفان -رضي الله عنه– في خلافته صعد المنبر وفي يده سوط، وقال للناس: (أيها الناس هذا سوط، من ضربت له ظهرا فليتقدم ليأخذ بحقه، ومن ظلمته في عرضه فليتقدم ليأخذ بحقه قبل ألا يكون دينار ولا درهم، ولكنها الحسنات والسيئات).

فهذه الاستشارة حقيقة نحن سعداء بها، لأنها تدل على كمال عقلك، وتدل على أن فيك خيرا، وعلى أنك تحاسب نفسك، وهذا كله خير ولله الحمد.

وأرجو أن تعلم أن الإنسان إذا ظلم أي إنسان, ولم يعرف هذا المظلوم, ولم يستطع أن يصل إليه, أو كان هناك حرج في الوصول إليه، فأحيانا يكون هناك حرج إذا اعترفت له أو ذهبت لتكلمه قد تكبر المشكلة, ويترتب عليها منكر أكبر، ففي هذه الأحوال جميعا الإنسان عليه أن يدعو لذلك الذي ظلمه، عليه أن يتصدق نيابة عنه، عليه أن يستغفر له، ويظل هكذا حتى يظن أنه أدى ما عليه، لأنه يوم القيامة سيأتي هذا الإنسان وسيجد تلك الحسنات وسيختارها بدلا من المطالبة بمظلمته، حتى يأخذ حقه بالحسنات، فإن الإنسان يكون قد عمل لذلك الحساب، وهذا هو المنهج الصحيح.

إذن أنت عليك أن تجتهد أولا في البحث عنها لرد المظلمة، إذا كان ذلك ممكنا وليس في ذلك إحراج, إذا كان هذا محرجا أو مستحيلا –كما هو واضح في السؤال– ولا تستطيع أن تجدها، وإذا وجدتها لا تستطيع أن تعتذر، فعند ذلك ليس أمامك إلا أن تدعو الله لها كثيرا، ليس أمامك إلا أن تستغفر لها، ليس أمامك إلا أن تتصدق بعض الصدقات, وتجعل ثوابها مقابل تلك المظلمة التي ظلمتها، وإلا فالإنسان يأتي يوم القيامة مفلسا بين يدي الله، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. قال: لكن المفلس في أمتي من يأتي بصلاة وصيام وحج وزكاة، لكن يأتي وقد شتم هذا واغتاب هذا وظلم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار).

ولكنك ولله الحمد طالما كنت تفكر بهذه الطريقة فلست مفلسا، ولكن ينبغي أن تعمل بما وجهناك به. إذن الخطوة الأولى أن تحاول التعرف والوصول، فإن كان ذلك صعبا أو متعذرا أو محرجا عليك أن تلجأ للخيار الثاني، فتكثر لها من الدعاء والاستغفار والصدقة، ولكل مظلمة بنفس الطريقة.

إذا كان هذا الظلم غيبة أيضا وكان هذا الشخص معروف، فتذهب إليه وتذكره بالخير، بالإضافة إلى الاستغفار، وإذا كنت في مجلس وقلت هو بخيل، تأتي في نفس المجلس وتقول هو طيب وما سمعنا عنه إلا الخير، وهو إنسان فيه فضل, كأنك تنقض ما ذكرته إذا كان مثلا غيبة, وإذا كان مثلا هذا الظلم يترتب عليه أموال فيمكن أن توصلها إلى حسابه دون علمه، يمكن أن تعطيها لأحد أبنائه، يمكن بأي وسيلة تستطيع أن توصل بها هذا المال ولو على سبيل الهدية إذا كان ذلك ممكنا، المهم أن الإنسان يجتهد في أن يرد الحقوق لأصحابها، فإن عجز عن ردها، أو كان من الصعب ردها, ومن الصعب التسامح فيها, ومن الصعب الكلام فيها، فعند ذلك الإنسان ليس عليه إلا أن يتوب ويستغفر ثم يدعو لذلك الذي أساء له وقصر في حقه، ويتصدق نيابة عنه ويستغفر له.

ونذكر أنفسنا –والأحباب– بأن ترك الذنب أيسر من معالجة التوبة، فلنحرص على ألا نورط أنفسنا في الذنوب، خاصة الذنوب المركبة التي فيها حق للعباد, وفيها حق لرب العباد، لأن هذه أصعب الذنوب، أما الذنوب التي تكون في حق الله فإن الله رحيم غفور تواب، لا يكاد الإنسان يرفع يديه إلا ويقبله الرحيم الرحمن سبحانه، لكن حقوق العباد على المشاحاة والمحاسبة ولا يريد الواحد أن يفرط في حسنة من الحسنات.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر لنا ولكم، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتوب علينا لنتوب، وأن يعيننا على الخروج من المظالم التي وقعنا فيها، وأن يجنبنا الذنوب صغيرها وكبيرها، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يتوب علينا وعليك، ونشكر لك هذه الاستشارة والتفكير بهذه الطريقة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يتوب علينا وعليك، وأن يرد المسلمين جميعا إلى الهدى والنور والصواب، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات