السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أشكركم أيها القائمون على هذا العمل المبارك، وأسأل الله العظيم أن يجعله في موازين حسناتكم.
سؤالي هو: عمن يقول: بأنه وقع في معظم الكبائر، من: عقوق، وزنا، وغيبة، و……، هل يغفر الله له كل معاصيه بعدما عقد العزم على عدم الرجوع إليها؟
وبالنسبة للغيبة: فإنه يسأل: عن الكيفية التي يكفر بها عن ذنبه، ونحن نعلم أنها لا تغتفر إلا بالاستسماح ممن اغتابه، وهو يقول: أن من اغتابهم، صعب عليه حصرهم، ومنهم من أخذ الله أمانته، أو نسيه، فما العمل في هذا الشأن؟
جزيتم خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم عمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهدينا جميعا صراطه المستقيم، وأن يجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه مولانا فنعم المولى ونعم النصير.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن الله الجليل جل جلاله سبحانه رحمته وسعت كل شيء، وأنه سبحانه وتعالى تكفل لعباده بمغفرة ذنوبهم مهما كانت صغيرة أو كبيرة، سرية أو علانية، ما دامت قد توافرت شروط وأركان التوبة كما نص عليه أهل العلم، والتي تبين لنا أن المعاصي تنقسم إلى قسمين: معاصي في حق الله تعالى، وهذه للتوبة منها ثلاثة شروط: الشرط الأول الإقلاع عن الذنب فورا، والشرط الثاني: الندم على فعله، والشرط الثالث: عقد العزم على ألا يعود إليه. وبالنسبة لحقوق العباد يضاف لها شرط رابع وهو رد المظالم إلى أصحابها.
فإذا كانت التوبة من هذا الباب وتوفرت فيها هذه الشروط فمما لا شك فيه - بإذن الله تعالى – أن الله تبارك وتعالى وعدنا بقبول توبة التائبين، ما دامت هذه التوبة توبة نصوحا، وهذا ما عليه إجماع أهل العلم، فعلماؤنا أجمعوا على أن التوبة النصوح مقبولة - بإذن الله تعالى – وهذا مذهب جمهور العلماء، على أن التوبة النصوح التي تتوافر فيها أركان القبول، الله تبارك وتعالى يقبلها كما وعد، لأن الله لا يخلف وعده، ولذلك أخبرنا بذلك فقال:{إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم}، وأخبرنا بقوله:{يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم}، وقال: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}.
والنبي - صلى الله عليه وسلم – يقول: (من تاب تاب الله عليه)، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي لا تكاد تحصى في باب التوبة، وبيان شروطها، والآثار المترتبة عليها.
فإذا ما تاب العبد توبة نصوحا صادقة من قلبه، فإن الله تبارك وتعالى يتوب عليه، بل كما ذكر الله تبارك وتعالى في بعض النصوص يبدل الله الذنوب حسنات، كما ذكر ربنا تبارك وتعالى في أواخر سورة الفرقان: {إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}، وهذه الآية جاءت بعد الكبائر، فإذن لو أن العبد تاب توبة نصوحا يقينا بالشروط التي أشرت إليها، وعقد العزم من قلبه على ألا يرجع لهذه المعاصي مهما كانت الظروف والدواعي والأسباب، فإن الله تبارك وتعالى وعده أن يتوب عليه وأن يغفر له، بل وقد يتفضل عليه بأن يبدل سيئاته حسنات، ويفرح به أشد فرحا.
والغيبة شأنها شأن غيرها، لأن الزنا أخطر من الغيبة يقينا، والزنا حتى وإن كان فيه ما فيه من الخطورة لأنه من كبائر الذنوب التي قال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، وكذلك قال أيضا: (إذا زنى العبد خرج الإيمان من قلبه فكان فوق رأسه كالظلة)، فإذا كان الزنا يغفره الله تبارك وتعالى، فما بالك بالغيبة، والغيبة مجرد كلام، أما الزنا فعل وأشياء قد يترتب عليها اختلاط أنساب، وغير ذلك من الأمور العظيمة والخطيرة.
إلا أن حقوق العباد كما ذكر أهل العلم لا تسقط بحال، وهذه مسألة مردها إلى الله تعالى، فالعلماء يقولون أن العبد إذا تاب توبة نصوحا فعلا، واطلع الله على صدقه، وصدق نيته، وعلى قوة توبته، وإخلاصها، وصفائها، ونقائها، فإن الله يعوض هذه الحقوق خيرا، ويعوضهم على هذه الانتهاكات التي حدثت في أعراضهم، أو في أموالهم، أو غير ذلك خير عوض، لأنه جل جلاله سبحانه لا يظلم أحدا، ولا يحب الظلم، بل إنه حرمه على نفسه.
فالمطلوب أن يجتهد المسلم غاية الاجتهاد في الصدق في التوبة، بالشروط التي ذكرها أهل العلم، حتى تكون توبته خالصة، وأن يترك المعاصي فقط من أجل الله تعالى وحده، وليس خوفا من القانون، ولا خوفا من النظام، ولا خوفا من كلام الناس، ولا من الأعراف، ولا من التقاليد، ولا من الفضيحة، ولا خوفا على الصحة، أو على الجاه، أو الحسب أو النسب أو المال، وإنما خوف من الله تعالى وحده، فإذا ترك المعاصي حياء من الله فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات.
هذا هو الذي ذكره أهل العلم في هذه المسألة.
وأسأل الله تعالى أن يغفر لنا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.