السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقيقة لا أدري كيف أبدأ أو من أين أبدأ؟ فأظن أن الأمور تبدو مبعثرة حتى حين أفكر في سردها.
أنا شاب ملتزم والحمد لله، ورثت عن والدي علمه رحمه الله، فأصبحت أعطي الناس دروسا وأروي لهم قصصا في السيرة، وينتظرني الجيران كل ليلة لأحدثهم ونجلس مجالس ذكر، تقبل الله منا.
أصدقائي المقربون يعتبرونني قدوة، لأنني لا أخطئ أمامهم أبدا، ولا أتظاهر بل أنا كذلك، لم أعاكس فتاة قط ولا حتى في مراهقتي، وحتى في الشارع حين أمشي لا أنظر يمينا أو شمالا، أمشي بشكل مستقيم وأصحابي يستغربون ذلك التشدد، رغم أنه قناعات ليس إلا، والله على ما أقول شهيد.
لكن مشكلتي أعظم أني حين أختلي بنفسي تأتيني وساوس كثيرة حول الشهوة الجنسية، وحول النساء، وهذه تأتيني منذ صغيري، لأني في صغري كنت أكبر من سني بحكم تعلمي من والدي أنه شيخ جليل، رحمه الله.
بدأت القصة على الانترنت، كنت دوما أنزل خطبا للشيوخ، وأهل العلم إلا أني ذات مرة أضافتني فتاة وأضفتها، وتحدثنا معا لا أدري كيف انجذبت؟ أظن السبب أن الأمر يبدو بالنسبة لي غريب جدا أن أكلم فتاة.
بدأت حواراتنا تتزايد وتزداد حتى وقعنا في المعاصي على الانترنت دون كاميرات، ولكن في الكلام، وبدأ الأمر يعجبني -استغفر الله العظيم- وتكرر ذلك كثيرا
وكلما تعرفت على فتاة ذهبنا إلا ذاك الحديث المنحط.
كل هذا وحياتي النهارية لم تختلف، بل بمجرد طلوع الشمس يؤنبني ضميري كثيرا، وأمارس حياتي بنفس الاعتدال والقيم دون نفاق بل تخرج من داخلي.
أصبحت أشعر أن لدي انفصاما في الشخصية انفصام تناقضي جدا وغريب حتى إني أصبحت لا آبه للعمر، أي امرأة تكلمني نذهب بالحديث للمحرمات.
العجيب في الأمر أن المبادرة تأتي من هناك، وكأن هناك شيئا سلط علي، وعند الفجر أستيقظ أغتسل وأبكي كثيرا وأصلي وأبكي في سجودي ، وأقول يا رب أصلح شأني يا رب ثبت قلبي وعقلي على دينك، يا رب ساعدني.
لا أدري ماذا أفعل حقيقة؟! حتى إني أشعر أحيانا أنه كيف تقبل توبتي بعد كل تلك المعاصي؟ استغفر الله العظيم.
تلك الفكرة تجعل الأمر يستمر، وتلك الفكرة في عدم قبول التوبة مبنية على كيف ستسامحني تلك الفتيات مثلا على ما أخطأت في حقوقهن رغم أني لم ألتق بأي منهن حتى، وبالمناسبة كلما تحدثت مع إحداهن بذلك الأمر حذفتها فورا ليس لأني اكتفيت بل لأني شعرت بالذنب تجاهها فأهرب.
هذا الأمر أثر علي سلبا وجعلني أعيش في دوامة أحاول أن أسيطر على نفسي، وبدأت أفعل -ولله الحمد- لكن شعوري بالذنب يفقدني الراحة، ويجعلني عصبيا في بيتي حتى رغم أن الجميع يعرفني بالهدوء والحكمة، أخشى أن تكون مشكلتي مستعصية.
رعاكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الولد الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يطهر قلبك ويحصن فرجك.
نحن نشكر لك حرصك على التدين والتزامك شرائع الله تعالى وفرائضه، ونحن على ثقة بأن هذا السبيل سيكون سببا لفوزك وسعادتك.
أما ما تفعله في الخلوة -أيها الحبيب- فينبغي أن تسارع إلى علاجه قبل أن يتفاقم الخطأ ويعظم الخطر، وعلاج ذلك أن تتذكر مراقبة الله تعالى لك، واطلاعه عليك، وأنه -سبحانه وتعالى- يراك، لا يخفى عليه شيء من أمرك.
استحضار هذا المعنى في قلبك سيكون له أثر في ردعك عما أنت فيه، فعظم الله تعالى حق تعظيمه، ولا تجعله سبحانه وتعالى أهون الناظرين إليك، فإنك تكره أن يطلع على هذا الفعل واحد من صغار أهلك فضلا عن كبارهم، والله سبحانه وتعالى أجل وأكبر وأعظم، فراقب الله تعالى وتذكر صفاته، وسيكون ذلك معينا على تجنب الوقوع في هذه المعصية.
مما يعينك -أيها الحبيب-: أن تتجنب الخلوة بهذا الجهاز، وأن تجعل استخدامك له بحضور الآخرين، فإن ذلك أعون لك على تجنب الوقوع في المعصية وأبعد للشيطان منك.
وقد أحسنت حين بادرت بالتوبة ولجأت إلى الله تعالى سائلا المغفرة والرحمة، وهذا هو دواء الذنب بعد الوقوع فيه، فإن من أذنب ذنبا نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو تاب ونزع واستغفر صقل لقبه، هكذا جاء الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فنحن نوصيك بدوام الاستغفار والتوبة، والإكثار من الأعمال الصالحة، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
نصيحتنا لك أن تتبع ما أسلفنا ليكون عونا لك على تجنب هذا السلوك، والأمر هين سهل -أيها الحبيب- إذا كنت جادا في معالجته، وليس مستعصيا، ونحن نحذر من الاستمرار على ما أنت فيه، فإنك لا تأمن عواقب هذه المعصية، فإن القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وربما ندمت حين لا ينفع الندم.
ولا تأمن خداع الشيطان لك وغروره بك، فإنه قد يجرك رويدا رويدا إلى الوقوع فيما هو أعظم، وقد حذرك الله تعالى من اتباع خطوات الشيطان، فقال -سبحانه وتعالى-: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر}.
احذر بارك الله فيك الانجرار وراء تزيينه وغروره، واحذر الوقوع في حبائله، ولا تحدث بهذا الذي حدث أحدا من الناس، فاستر على نفسك ما دام الله عز وجل قد ستر عليك، ونصيحتنا لك بأن تبادر بالزواج إن كنت قادرا عليه، فإنه وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- للشباب، فإن عجزت عن ذلك فداوم على الصيام، وتجنب كل الأسباب التي قد تؤدي بك إلى فتنة النساء، فإنها أعظم فتنة خافها النبي -صلى الله عليه وسلم- على الرجال، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
نسأل الله تعالى أن يأخذ بيدك إلى كل خير، وأن يجنبك كل شر ومكروه.