السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد قرأت الكثير وتعلمت من موقعكم، لذا كتبت هذا راجيا من الله أن يكون حل مشكلتي على يديكم، أنا شاب في الجامعة، وأبلغ من العمر 21 سنة، وأعاني من مشكلة تفكير متواصل في الوسطية والتشدد، بحكم تربيتي -ولله الحمد- لا أعاني من أي أخلاق سيئة، ولا سوء تصرف، ولا حقد، ولا غيرها، ولا أزكي نفسي، ولكن بشهادة الناس أمامي ومن ورائي بأنني محبوب بصورة كبيرة، كل المعاصي التي ارتكبتها - ومن الله علي بالتوقف عنها - هي في ظلم نفسي فقط، أحافظ على الصلوات جماعة، وعلى مجموعة من عبادات النوافل وقراءة القرآن -والحمد لله-.
مشكلتي هي تواصل التفكير في حدود التشدد والوسطية، فمثلا لا أعرف متى تظهر تصرفاتي التي يطلع عليها الناس صورة للوسطية، ومتى تظهر تشددا، قد يخاف الناس منه فآثم عليه، مثلا في غض البصر والتعامل مع النساء والفتيات، أغض بصري، وتعاملي قليل جدا مع الفتيات؛ لأنني أعلم نفسي الأمارة بالسوء، ولكن يأتيني التفكير مرة أخرى في الوسطية والتشدد، عن كيف أكون خلوقا وأساعد الفتيات إن احتجن للمساعدة، وبين أنني متشدد أرعبهن بتصرفاتي، خاصة وأنني ألاحظ أن أغلب الفتيات يراقبنني بصورة غريبة، ويتعاملن مع رفاقي المتساهلين بعض الشيء في أشياء أكون قادرا على تأديتها لهم بصورة أفضل.
حدث أن أعجبت بإحدى زميلاتي، وحدث لدي تعلق بها لدرجة أنني رأيتها في نومي عدة مرات، وهي ليست ملتزمة جدا، ولكن من منا يخلو من الأخطاء؟ ولأمنع عن نفسي هذا التعلق بها أصبحت أتعمد عدم ملاقاتها بأي صورة، ولكنني أصبحت أرى أن هذا ظلم مني لها؛ لأنني لا أعاملها كما أعامل زميلاتي، أعلم أنه إن كان هذا التعلق مني بها لأنها مكتوبة لي فلن يحصل عليها غيري أبدا، ولكنني أتقلب في التفكير بين الابتعاد عنها بعدا عن الفتنة، وأن تعلقي بها لابد أن يجعلني أخطأ تجاهها، وبين أنه إن كانت مكتوبة لي فهذا لا يعني ألا آخذ بأسباب الوصول إليها، فالإسلام لا ينفي الطموح وتحقيق الأهداف، حتى إن كان الهدف هو الوصول لزوجة، وتفكيري يتعلق بها عند رؤيتها بالمصادفة أو حين يتحدث أحد عنها بصورة عميقة، وغير هذا ليس لدي معاناة ولا قلق ولا حرمان نوم، ولا ينزل مستواي الدراسي بسببها، كما يحدث مع بعض زملائي مع زميلاتهم.
الحق أنني أعرف أن الإنسان مهما فعل فلن يحوز على رضا الناس جميعا، وستظل فئات تقف منه موقفا، ولكن كيف أعرف الحد الفاصل بين الوسطية المتساهلة جدا التي يدعيها أغلب الناس وتودي بهم إلى مصائب كثيرة،
وبين التشدد الذي يؤدي هو الآخر إلى مصائبه؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
بداية نرحب بك ابننا الكريم، ونشكر لك هذا الحرص الذي دفعك للسؤال، وإنما شفاء العي السؤال، ويسعدنا أن نقول: هنيئا لك البعد عن المعاصي، وهنيئا لك هذا الحرص بالبعد عن النساء، وهنيئا لك هذه الروح التي دفعتك للسؤال، ونسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
وقد أحسنت ببعدك عن الفتاة، والشريعة دعوة للبعد عن الفتيات ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا، وليس معنى ذلك ألا يقدم الخدمات ولا يقدم المساعدة، ولكن ليس من الخدمات التساهل مع الفتيات والضحك معهن والتساهل في هذا الأمر، فهذا لا تعتبر خدمات مشروعة، بل هي خدمات تؤثر على نفوس الفتيات وعلى نفوس الشباب، وهي خصم على سعادته، فالذي يتوسع في علاقاته، يضحك مع هذه ويبتسم لهذه ويمزح مع هذه – كما يفعل الشباب – هذا سيتعب نفسه ويتعب الفتيات، ويعد نفسه أيضا لحياة زوجية مليئة بالتوتر ومليئة بالإشكالات والظنون، وليس من مصلحة الفتاة أيضا أن يظهر لها الإنسان مثل هذا الميل فتقع في شباكه، ثم بعد ذلك يحال بينها وبين أن تكمل هذا المشوار لأي سبب من الأسباب.
ولذلك الذي تفعله هو الصحيح، وليس فيه تشدد، وليس فيه نفور، بل هذا سبب للوصول للمشروع، والفتاة دائما تحب الشاب الذي يبتعد عن النساء، ولعل هذا هو السر في تركيز الفتيات عليك، ليس لأن هناك عيبا، لكن لأنهن ينظرن إليك بعين الإعجاب، فالفتاة قد تضحك مع شاب، لكنها لا تتمناه زوجا لها، لأن هذا الذي يضحك معها ضحك مع أخريات، وضحك كذلك على أخريات، فهو ليس أهلا للثقة، وليس أهلا لثقة الفتيات.
ولذلك هذه الشريعة العظيمة عندما أمرت المرأة أن تبتعد عن الرجال كان في ذلك مصلحتها، وعندما أمرت الرجل أن يبتعد عن النساء كان ذلك في مصلحته، بل اهتمت الشريعة بهذا الجانب غاية الاهتمام، فجعلت خير صفوف النساء – حتى في الصلاة – آخرها لبعدها عن الرجال، وخير صفوف الرجال أولها لبعدها عن جمهور النساء.
ولذلك ما شرعه الله فيه مصلحة الرجال وفيه مصلحة للنساء، والذي تفعله هو الصواب، فإن قصدتك زميلة لخدمة فكلمها بأدب، غض بصرك عنها، وقدم لها الخدمات، وساعدها بقدر استطاعتك، لكن نحن لا نريد الإنسان أن يكون هكذا خادما للفتيات؛ لأن هذا أيضا يجلب له سوء الظن، والفتيات عندهن قدرة على التعامل مع أخواتهن ومع المسؤولات من النساء، في أماكن العمل توجد من النساء من تساعد النساء، وكم تمنينا أن تقوم النساء بمساعدة أخواتهن، ويقوم الرجل بمساعدة إخوانه من الرجال، وموظف الدولة محتاج للجميع، إذا احتاجت الفتاة قام الرجل بخدمتها، وسهل أمرها، وقدمها على غيرها حتى ترجع إلى بيتها، حتى لا تتعرض للاختلاط بالرجال وأخذ الوقت الطويل بينهم.
فلذلك ينبغي أن تدرك أن ما أنت عليه هو الخير، وما تستمر عليه هو الحق، ولا يضرك ما يفعله الزملاء، فإنا نسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي الجميع لما يحب ربنا تعالى ويرضاه.
وأنت ولله الحمد بأسلوبك هذا مصدر إعجاب للجميع، هذا لأنك مطيع لله تبارك وتعالى، فإنا الإنسان ينال رضا الله تبارك وتعالى بطاعته لله، وينال رضا الناس أيضا بطاعته لله، فإنه من ابتغى رضا الناس بسخط الله – عياذا بالله – سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن ابتغى رضا الله تبارك وتعالى وإن سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، دائما المحبة بين الناس لها علاقة بالأعمال الصالحة، لها علاقة بالقبول عند الله تبارك وتعالى، فإن الله إذا أحب إنسانا أمر جبريل أن ينادي بأن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يلقى له القبول في الأرض، قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} يعني محبة في قلوب الناس.
فامض على ما أنت عليه، وحكم هذه الشريعة، واعلم أن الشاب الذي يضحك مع الجميع فبأي فتاة سيتزوج وبأي فتاة سيتعلق، وهذا لا يليق بالمسلم أن يكون بهذه الطريقة.
إذا كان عندك ميل لفتاة معينة وتجد في نفسك ارتياحا، وكان عندها الجوانب الأساسية من الدين، فلا مانع من أن تتقدم لطلب يدها، بعد ذلك لا مانع من أن تناقش جوانب الالتزام الذي تريده، لأن الأصل أن يكون لها دين، يكون لها أخلاق، ومحافظة على الأشياء الأساسية، أما التواصل معها قبل ذلك والتوسع معها في الكلام فإن هذا ليس في مصلحة أحد، والإسلام لا يرضى بأي علاقة، فلا يعترف بأي علاقة زمالة كانت أو صداقة إلا في إطار الزوجية والمحرمية، وإذا ألقى الله الميل في قلب الفتاة لشاب فإن عليه أولا أن يطرق بابها، ثم بعد ذلك يطلب النظرة الشرعية، ثم بعد ذلك إذا وجد الارتياح، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.
نسأل الله أن يسهل الأمور، وأن يغفر الذنوب، وأن ييسر لك الخير، ويقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.