السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إنه من دواعي سروري التواصل معكم، والاستفادة منكم.
لي زميلة عمل متميزة بكل صفاتها، وإذا نظرت لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك), أجد بها كل الصفات فهي من عائلة ميسورة، ومعروفة اجتماعيا، وعلى مستوى عال من التدين والالتزام، كما أنها على درجة عالية من الفكر والثقافة والنشاط المجتمعي والثقافي والخدمي، لذلك فهي واسعة العلاقات، ومحبوبة من الجميع، فهي فتاة يتمنى العديد خطبتها، ولذلك فقد تعلقت بها وبشدة، فمن سيرتبط بها ستساعده على تنظيم حياته وتربية أبنائه تربية حسنة.
لكني متردد حيث أن مستواها العالي من الفكر والثقافة، وغيرها من الفوارق الفردية في المواهب، والمهارات سيجعل من الصعب علي أن أجاريها، وأخشى أن يرهقني نفسيا ارتباطي بها، فغالبا ستكون دائما متميزة عني وقد ترأسني يوما بالعمل.
ببساطة أخشى أن أعيش حياة "امرأتي مدير عام"!
ملحوظة: أنا لا أقلل من نفسي، وأرى أن الله فضلني على كثيرين بالحياة -ولله الحمد، لكني لم أصل أو أقترب من مستواها.
ثانيا: نشاطها العالي جعلها دائما منشغلة، ولها علاقات واسعة مع بنات و"شباب" لذا فهي باستمرار على تواصل معهم بالمكالمات، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما قد يثير غيرتي هذه الاتصالات المستمرة والانشغال الدائم.
أتمنى أن تنصحوني أفادكم الله هل أسعى وراء الأكثر تميزا؟ أم أسعى وراء من تناسبني وأتركها لمن هو أفضل مني؟ على الرغم من أنها معي بالعمل؛ لذلك فأنا مضطر أن أراها وأتعامل معها باستمرار.
آسف على الإطالة، وجزاكم الله خيرا على عملكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
نسأل الله العظيم أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، ونشكر لك هذا التواصل مع الموقع، ونشكر لك أيضا هذه الطريقة الجيدة التي تفكر بها، ونعتقد أن النجاح بالنسبة للمرأة، وبالنسبة للرجل في الحياة ينبغي أن يكون نجاحا في الحياة كلها، ليس نجاحا في الوظيفة فقط، ولا شك أن المرأة الناجحة، والرجل الناجح في عمله إذا لم ينتبه ويوازن بين الاحتياجات، ويعطي لكل ذي حق حقه، فقد يؤثر ذلك على حياته الأسرية، فبعض من ينجح في حياته العملية يفشل في حياته الأسرية لعدم الانتباه لهذا الجانب، وعدم إقامة التوازن.
والنبي - صلى الله عليه وسلم – هو الذي علمنا عندما قال للصحابة: (إن لنفسك عليك حقا، وإن لربك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه).
وأرجو أن تعلم أن نجاح هذه البنت وتميزها بهذه الطريقة، أيضا هي ستنظر في شخصيتك، إلى جوانب التميز، ولعل التميز عند الرجل قد لا يكون من الضروري بشهاداته، ولكن بنجاحاته في الحياة وحسن تواصله، بقيامه بأدواره كاملة، بأن يكون رقما بين الرجال، له كلمة، وله مشاركة في الحراك المجتمعي، في قضايا الناس، يشارك، ويشكل حضورا بهذه الطريقة، ويكون عنده القدرة على تحمل المسؤوليات.
فإذا وجد فيك هذه الصفات، وتقدمت لهذه الفتاة ورضيت بك، وأعتقد أن هذا هو الجانب المهم، لأن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.
ولا أظن أن هذه المسألة ستكون عقبة، إلا إذا كان هناك تقصير منها، أو منك في الاهتمام بالجانب الأسري، لذلك أرجو ألا تقف طويلا أمام هذه المسألة، ودائما نحن ننصح الزوج والزوجة في أن تنسب النجاحات لهم جميعا، نقول (نجحنا)، (وفقنا الله)، (واستطعنا) وكل إنسان يعترف بالجانب الآخر بفضائله، وبدوره في تحقيق النجاحات الكبرى، فإن الإنسان لا يمكن أن ينجح وحده، ولكن ينجح مع الآخرين.
وإذا كانت هذه المرأة – والفتاة – قيادية فأنت لا بد أن تتهيأ لمثل هذا الدور، فقد تتعامل بعد ذلك مع آخرين، فإذا كانت عندك غيرة، وقد ترفض مثل هذه التصرفات أو تنزعج منها، فمن الآن لا بد أن تكون هذه الأمور واضحة، وأعتقد أن الفتاة إذا كان لها دين، ولها قيم ولها أخلاق – وهي كما أشرت – فإن الدين يحكم الجميع، والإنسان الذي يحتكم لشرع الله ولآداب هذا الدين العظيم لن يفرط في مثل هذه الأمور، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك ولها الخير حيث كان ثم يرضيك به.
ولا يخفى على أمثالك أن الإنسان عندما يتقدم عليه أن يستخير، والاستخارة هي طلب الدلالة إلى الخير ممن بيده الخير سبحانه وتعالى، واعلم أن الحياة الزوجية أصلا تقوم على الرضا التام والقبول، فإذا رضيت بك ورضيت بها، فإن مثل هذه الأشياء تتلاشى، لأن الحياة الزوجية لا تقبل
القسمة، وإنما هي إنجازات وتقارب ومشاركة، يعطي فيها الإنسان دون أن يسأل عن المقابل، ويبذل دون أن ينتظر الشكر، لأن الحياة الزوجية هي تلاقي أرواح.
والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فقد يلتقي رجل ناجح جدا ويجد ميلا لامرأة عادية، وقد تميل امرأة ناجحة جدا إلى رجل عادي أو أقل نجاحا – أو كذا – لأن هذه العلاقات القلبية لا تعرف هذه الرتب، ولا تعرف مثل هذه المنازل، ولكن على كل حال: الطريقة التي تفكر بها فيها، فيها جوانب من الصواب، وأرجو أن تنظر نظرة شاملة إلى كافة الجوانب، فإذا كان عندها – الطرف الآخر – رضا وقبول وموافقة من أسرتها وتوافق من أسرتك، فإن هذه مؤشرات تشير إلى النجاح في هذه الأسرة التي ترغب في تكوينها.
ونسأل الله أن يقدر لك ولها الخير حيث كنتم، وأن يلهمكم السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.