السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
فضيلة الشيخ أكتب إليك مما ضاق به صدري، وكثرت علي المحن والفتن.
أنا شاب أبلغ من العمر 33 سنة، أعزب، جامعي تخرجت سنة 2004م، وأنا بدون عمل، أعمل أحيانا لدى الخواص كعامل مهني –مونيفري- وليس لي أي مدخول.
في سنة 2011م اقترضت مبلغا من المال، وقمت بفتح محل لتصوير الوثائق وكتابة الطلبات، ففي أحد الأيام جاءت محامية وقامت بتصوير الوثائق، وبعدها أصبحت زبونة لدي، وبعد ذلك أخذت أكتب لها عرائض موكليها وشكاويهم، لتتطور العلاقة بعد ذلك لما لمسته عندها من أنها بنت حلال؛ وقد تكون من نصيبي؛ لكن عندما تكون في المحل وهي جالسة بقربي أمام جهاز الإعلام الآلي أو واقفة عند رأسي، يبدأ عدو الله الشيطان يوسوس لي بأن أقوم بتقبيلها أو شيء من هذا القبيل، أو أقوم بلمس يديها، لكن قدر الله أن يفلس المحل نظرا لأنني لم أستطع إرجاع الدين الذي علي فقمت بغلقه.
بعد ذلك أصبحت أذهب إليها في مكتبها، حيث كنا نجلس بالساعات نحكي عن أحوال الدنيا، حتى ذات يوم ضعفت نفسي وقمت بتقبيلها بدون رغبة منها، في كل مرة أقول لن أكررها، أجد نفسي ضعيفا أمامها، واستمرت العلاقة لمدة عام، وبعد ذلك قررت فسخ العلاقة معها لأنني سأقع في الحرام -أي الزنا-.
في كل مرة يأتي إليها شخص ليخطبها لكنها ترفضهم، وقالت لي بأن أتقدم لخطبتها، قلت لها إنني لا أستطيع الزواج لا منها ولا من غيرها، وقالت لي أنها لن تسامحني لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأنها لن تكون مرتاحة الضمير مع رجل آخر بسبب ما كان بيننا، فأنا لا أريد أن تستمر هذه العلاقة بيننا، وأنا أعلم أنني لا أستطيع الزواج بها نظرا للمشاكل التي أعانيها، فكل شخص يتمناها نظرا لأخلاقها، حتى يومنا هذا ما زال الناس يخطبونها، فأصبحت أرى أني السبب في عدم قبولها بهم.
السبب في رفضي هو: أنني لا أعمل، ولا أستطيع الزواج من امرأة وأنا لا عمل لدي، وليست لي أي مهنة أو رأس مال غير الشهادة الجامعية، كما أنني لا أملك منزلا خاصا، حتى البيت الذي أقيم فيه هو محل نزاع بين الإخوة، حتى إنني أشارك في المسابقات ولم أنجح في أي منها.
أيضا أصبحت أنظر إليها أنها ليست جميلة، وهي سليطة اللسان، فبالطبع هي محامية، كما أنها تكبرني بـــ 6 أشهر.
أرى في قرارة نفسي أني حتى ولو تزوجت بها فقد يقع بيننا أبغض الحلال، كما أن هم الدنيا طغى على قلبي وتفكيري فقد أصبت باليأس والقنوط، والله يا شيخ أصبحت أكفر بالله وأجهل بنعمه نظرا للفقر المدقع الذي أعاني منه، وأصبحت أرى أنه لا مخرج من الأمر الذي أنا واقع فيه، فنحن في وقت لا يرى الغني فيه الفقير سوى أنه مرض معدي يخاف أن يلتصق به.
فضيلة الشيخ أرجو أن تفيدني بحل نظرا لما أعانيه من ضيق في الحياة، وماذا يجب أن أفعل تجاه المحامية، هل أتزوجها أم أبتعد عنها؟ ففي كل مرة أفكر في أنها لن تسامحني لا أفكر سوى في الانتحار أو الموت بأسرع وقت، أو أنني لن أتزوج أبدا لا بها ولا غيرها طوال حياتي.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نورالدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
نرحب بك ابننا الكريم في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونسأل الله أن يعينك على الخير، ويسعدنا أن نقول: نشكر لك هذا التواصل، وهذا الحرص على الخير.
ونبين لك أن ما حصل من الخطأ لا يمنع حصول الصواب وهو الزواج، فتب إلى الله توبة نصوحا، ثم بعد ذلك أقبل على حياتك بأمل جديد، وبثقة بالله المجيد، واعلم أن الإنسان يجب عليه أن يسعى، وليس عليه أن يدرك النجاح، وأن الأرزاق بيد الله تبارك وتعالى، وأن الزوجة التي يتزوجها الإنسان تأتي برزقها، فكيف إذا كانت هذه الزوجة وهي صاحبة عمل راغبة، وأنت -ولله الحمد- تستطيع أن تعمل معها نفس العمل، فتساعدها على ما هي فيه؛ لأن الأصل هو وجود هذه الرغبة، وأنت أشرت إلى أنها بنت طيبة، وكل الناس يتمناها، فكن أنت ممن يرغب في الزواج منها، وتصحيح ذلك الخطأ، الذي وقعت فيه، فإن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعا.
فعليك أن تتوب إلى الله توبة نصوحا، واعلم أن من تمام التوبة أن يندم الإنسان على ما مضى، ثم يجتهد في الحسنات الماحية، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وإياك والتضجر بأقدار الله تبارك وتعالى، فإن الكون ملك لله تبارك وتعالى، وهو فعال لما يريد وأمره نافذ، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فعليه السخط، فنحذرك من التضجر من أقدار الله تبارك وتعالى، والإنسان لا يدري من أين يأتيه الخير، ولكنا ندعوك إلى تكرار المحاولات دون النظر إلى الشهادة الجامعية، فإن أبواب الرزق واسعة، والله أمرنا أن نسعى، فقال: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور}.
فواصل الحركة، واجتهد على علاقتك بالله، وحافظ على الصلاة، لأنها مفتاح للرزق والطاعة والاستغفار، هذه مفاتيح للرزق والاستقامة على دين الله تبارك وتعالى، وتصحيح الأوضاع الخاطئة التي كنت عليها، ثم بعد ذلك لا مانع من الزواج من هذه المحامية التي كانت بينكم علاقة، خاصة وهي تنتظر، وأنت تشيد بها.
ولا أعتقد أن مسألة (6 أشهر) تعتبر مدة، حتى وإن كانت أكبر، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج من خديجة -رضي الله عنها- وهي تكبره، وتزوج من عائشة -رضي الله عنها- وهو يكبرها، فالعلاقة بين الزوجين لا تعرف مثل هذا التفاوت، ومثل هذه الأشياء لا تظهر للناس لأن المدة واضحة، حتى وإن ظهرت فإن الإنسان يبني القناعات على ما في نفسه لا على ما يقوله الناس.
ولذلك نحن نتمنى أن تبدأ بتصحيح العلاقة بينك وبين الله تبارك وتعالى، وتعوذ بالله من الشيطان، وواظب على الصلوات، وأكثر من الدعاء والتوجه إلى الله تبارك وتعالى، وابحث لنفسك عن ميادين جديدة للعمل، وحاول أيضا تخطب المحامية من أهلها، وتأتي البيوت من أبوابها، واجتهد في أن تكون العلاقة شرعية معلنة وواضحة؛ لأن هذا هو الذي ينبغي للمسلم أن يفعله، ثم بعد ذلك تشاور مع أهلك، وحاورهم من أجل أن يتكلموا بلسانك، واعلم أن الله تبارك وتعالى أمرنا كمجتمع، فقال: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم}.
كأن قائلا وقف يقول: من أين المال، فقال العظيم: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم}.
ومن هنا كان السلف يلتمسون الغنى في النكاح، فتزوج والتزم الغنى في النكاح، واعلم أن الزوجة تأتي برزقها، وأن الأولاد يأتون ومعهم أرزاقهم، وطعام الاثنين يكفي الأربعة.
نسأل الله أن يبارك لك وأن يبارك عليك، ومرة أخرى ندعوك إلى الرضى بقضاء الله وقدره، وتجنب السخط من أقدار الله تبارك وتعالى، وتعوذ من الشيطان الذي يريد أن يوردك موارد الهلكة، وتذكر أن هذا الشيطان عدو، قال العظيم: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}. وعداوة الشيطان إنما تكون من مخالفته وبطاعة الرحمن.
نسأل الله أن يسهل أمرك وأن يلهمك السداد والرشاد إنه ولي ذلك والقادر عليه.