السؤال
أنا الآن طالب في إحدى الدول الأجنبية, ويؤنبني ضميري من حين لآخر تجاه أهلي, فمثلا أتذكر أني كنت في الماضي إذا طلب مني أخي الصغير شيئا أرفض, وأتذكر والدي ووالدتي وإخواني وأخواتي, وأشعر بالذنب, وأشعر بالتعب النفسي, وأفكر من حين لآخر أني لم أعمل شيئا يزعجهم, فكل شيء عملته يحدث في كل بيت, وأحدث نفسي ما الذي عملته حتى ينزعجوا, فأنا محتار, ومتعب نفسيا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ جلال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت, وعن أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقك في دراستك، وأن يحفظك في غربتك، وأن يجعلك مثلا إسلاميا يحتذى، وأن يمن عليك بسلوك فاضل، وإعانة على الطاعة, واستقامة على منهجه، وأن ترجع إلى أهلك سالما غانما متميزا متفوقا، إنه جواد كريم.
بخصوص ما ورد برسالتك - ابني الكريم الفاضل – فإن الذي تشعر به الآن هو نوع من حرب الشيطان عليك؛ لأن الشيطان إذا عجز أن يصرف الإنسان عن الطاعة في الظاهر حاول أن يركز على نفسيته في الباطن, فالشيطان كما ذكر علماؤنا يركز على نوعين من الحروب هما: (حرب الشبهات, وحرب الشهوات).
أما حرب الشهوات, فهو: إفساد الظاهر بأن يزين للإنسان النظر للحرام, أو فعل الحرام, أو قول الحرام, أو أكل الحرام, أو ممارسة الحرام.
أما المعركة الداخلية, فهي: حرب قذرة على قلب الإنسان، وذلك بالوسوسة, وإثارة الشهوات, والشك في الله تعالى, والشك في الثوابت الدينية ... إلى غير ذلك، وهذا الذي تشعر به الآن – الشعور بالذنب – هو نوع من الحرب النفسية التي يشنها الشيطان على قلبك؛ حتى يشغلك عن مذاكرتك, وحتى يعكر مزاجك, ويشعرك أنك قد أجرمت جرما عظيما، وأن مثلك لا يستحق التوفيق ... إلى غير ذلك.
لكني أقول لك - بارك الله فيك -: إن العبد إذا أذنب في حق الله تبارك وتعالى الملك القدير الذي خلقه وسواه, والذي أنعم عليه بهذه النعم، ثم سأله أن يغفر له لغفر له، وهذا كلام الله تبارك وتعالى وليس كلامي، فمهما بلغت ذنوبك - حتى لو وصلت عنان السماء - ثم سألت الله أن يغفر لك لغفر لك - كما نطقت بذلك السنة -.
إذا أذنب العبد في حق مولاه وسأله أن يغفر له فسيغفر له، فما بالك بمن أذنب في حق إخوانه أو والديه؟!
الأمر الثاني: أنت تستطيع أن تطلب منهم الآن العفو والسماح، وإن قالوا لك: (نحن عفونا عنك وسامحناك) فالأمر قد انتهى، وهذه الصفحة قد طويت، ولا تقف أمامها طويلا؛ لأن هذا - كما ذكرت لك - هو نوع من أنواع خطوات الشيطان التي يريد بها أن يعكر صفوك, وأن يكدر خاطرك، وأن يصرفك عن الهدف الذي ذهبت لأجله إلى هذه البلاد.
أنا أقول لك: إذا كنا قد أخطأنا في حق الله - وهو الله - وسألناه أن يغفر فسيغفر، فما بالك بالوالدين؟ فالأمر يحتاج منك مجرد اتصال، وأن تطلب منهم السماح والعفو، وأن تطلب منهم الصفح، وأعتقد أن إخوانك ووالديك سيسعدون بذلك، وستسمع منهم كل كلام طيب, وكل كلام رائع, وكل كلام مشجع.
أتمنى أن تقطع رأس هذه الأفعى من الآن بالاتصال بهم, وطلب العفو منهم, والاعتذار لهم عما بدر منك، وبذلك ستنتهي هذه المسألة نهائيا، ولا تقتضي منك أبدا أن تفكر فيها تفكيرا يؤدي بك إلى الحيرة, وإلى الألم النفسي.
الأمر - يا ولدي - سهل جدا، وليس فيه أي مشقة، فاستعن بالله – أولا - واستغفر الله تعالى، واسأله أن يغفر لك، واسأله أن يشرح صدر من أسأت إليهم في أن يعفوا عنك، ثم اتصل بهم بعد ذلك، وأعتقد أنك ستسمع رسائل إيجابية وكلاما رائعا، وستسمع كل تشجيع وتأييد, وثناء على هذه الخطوة، ودعاء من الوالدين لك بالتوفيق والسداد.
أسأل الله أن يوفقك, وأن ييسر أمرك، وأن يجعلك من صالح المؤمنين، إنه جواد كريم، هذا وبالله التوفيق.