السؤال
السلام عليكم.
أنا إنسان أعاني من شدة المصائب، حزنت كثيرا من الظلم، وعندما أشتكي ممن ظلمني لا أحد يسمعني أو يصدقني، والناس دائما ضدي، مع أني طيب، ولا أظلم ولا أحسد ولا أغتاب ولا أمازح أحدا، ومنعزل عن العالم الخارجي بسبب الكره لي من بعض البشر، وتشويه سمعتي، هذا غير المصيبة تلو المصيبة.
والله العظيم أني أعاني ولا زالت أعاني .. صبرت، تألمت، ولا زلت، ذهبت للناس المقربين، لا أحد معي .. لا أحد!
أتمنى النصح؛ لأني تعبت، فأنا صابر، وفكرت بالانتحار، حسبي الله ونعم الوكيل.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك - أيها الولد الحبيب - في استشارات إسلام ويب.
نحن سعداء بتواصلك معنا، ونشكرك على ثقتك فينا، ونحن لا نرى - أيها الحبيب - في واقعك إلا ما يدعو إلى التفاؤل والاستبشار، فإن المصائب وإن تكاثرت على الإنسان عند التمحيص والنظر الدقيق فيها نجد أنها تحمل له الخير الكثير، فليست المصائب دليلا على سوء حظ الإنسان ولا على سوء مستقبله، فإن الله - سبحانه وتعالى - لا يقدر لهذا الإنسان إلا ما فيه خير له، فهو - سبحانه وتعالى - أرحم بك من نفسك ومن أمك، وهو مع هذه الرحمة أعلم بمصالحك، وهو القدير على أن يفعل لك ما يشاء، فإذا كانت هذه صفاته - سبحانه وتعالى - فثق بتقديره وحسن تدبيره لأمورك، واعلم أنه لا يقدر لك شيئا إلا ما يريده لك من الخير، ولكن يخفى عليك هذا الخير كثيرا، فهذه طبيعة الإنسان، وقد قال الله - سبحانه وتعالى -: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
وتذكر - أيها الحبيب - أحوال الناس الذين أصيبوا من قبلك وفي زمانك، وانظر في أحوالهم، فستجد عباد الله الصالحين وعلى رأسهم أنبياء الله تعالى، ستجدهم قد أصيبوا بأنواع من المصائب، فمنهم من أصيب في بدنه، ومنهم من أصيب في ماله، ومنهم من قتل وذبح، ومنهم من أصيب بأنواع من الأسقام والأمراض، والقرآن يحكي لك هذا كله، ولم يكن هذا إلا دليلا على سعادتهم، وبشارة بما أعده الله تعالى لهم، فإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم.
صحيح - أيها الحبيب - أن المعصية قد تجلب للإنسان أنواعا من المصائب، ولكن هي في تلك الحال أيضا مكفرة للسيئات، ماحية للزلات، فالمصائب تحمل في طياتها الكثير والكثير من المنح الإلهية، والواجب علينا أن نتقبل هذه المصائب ونقابلها بالصبر والاحتساب، والعاقل لا يجمع على نفسه بين مصيبتين: مصيبة المقدور وألمه في الدنيا، وفوات الثواب في الآخرة.
وأنت إذا تعاملت مع الأقدار بهذه الروح - أيها الحبيب - واستقبلتها موقنا أنها من قدر الله تعالى، وأن الله تعالى لم يقدرها عليك إلا لما فيها من الخير، فقد ترجعك هذه الأقدار إلى الله، وتلجئك إلى الإكثار من دعائه واستغفاره، فيفتح الله - عز وجل - أمامك أبواب السعادة على مصارعها، وما كانت لتفتح لولا المصائب التي تنزل بك.
أما ما يحاول الشيطان أن يجرك إليه ويزينه لك من الانتحار فهو باب خطره عظيم، وهو لن يخرجك من هذا الشقاء والألم الذي تعيشه، بل الانتحار ينقل الإنسان من شقاء يسير إلى شقاء عظيم دائم، فإن المنتحر يعذب في نار جهنم، كما جاء وصفه في الحديث (خالدا مخلدا) بنفس آلة العذاب التي قتل بها نفسه في الدنيا، وذلك لأنه تصرف بما لا يملكه، فنحن أجسادنا وأرواحنا ملك لله تعالى استودعها الله تعالى عندنا لنقوم بالوظائف التي كلفنا بها، ووعدنا - سبحانه وتعالى - جنة عرضها السموات والأرض إذا أحسنا الصنيع، وإذا ما تعدى الواحد منا على ما لا يملكه كان عذاب الله تعالى له بالمرصاد.
فاحذر - أيها الحبيب - من أن يجرك الشيطان إلى هذه النهاية المؤلمة، فإنه يريد أن يظفر بك، فاستعذ بالله تعالى منه، وخير ما ننصحك به أن تتعرف على الرجال الصالحين والشباب الطيبين، فتكثر من مجالستهم، وتقضي معهم أوقاتك، أكثر من التردد إلى المساجد وحضور مجالس العلم والذكر، فإنك ستجد فيها الأنس واللذة.
خذ بالأسباب المادية لمدافعة الأقدار بالأقدار بقدر ما تستطيع، تذكر ثواب الله تعالى على ما يصيبك من المصائب والنكبات، واعلم بأن ما يعوضك الله تعالى به عن هذه المصائب هو خير لك وأنفع وإن كنت لا تدرك ذلك الخير.
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.