السؤال
السلام عليكم
أنا شاب بسيط جدا، لدي شهوتي الجنسية كأغلب الناس الموجودين على هذه المعمورة، وأعلم يقينا أنني لن أستطيع أن أتزوج خلال السبع سنوات القادمة؛ لأن تكاليف الزواج فوق طاقتي بكثير، ولا أستطيع أن أقترض المال الذي سيحل معضلتي.
أنا محافظ على صلاتي –والحمد لله-، وأحفظ من القرآن 18 جزءا، ومتفوق في دراستي، ومعروف في الحي الذي أعيش فيه أنني الشاب النموذجي -ما شاء الله تبارك الله-، وأملك الثقافة اللازمة التي تؤهلني لأكون زوجا محبا، عادلا، مخلصا، متفاهما -بإذن الله-.
لكن المشكلة تقع على عاتق المجتمع الذي أعيش فيه: فهم يتفاخرون بالإسلام وأنهم يطبقون شريعة الله، ولكن لم يتنازل أحدهم لتقليل مهر ابنته، أو مساعدتي في تكاليف الزواج، إذا ما الحل؟ فأنا لا أستطيع أن أكبت نفسي طوال هذه السنين، ومن حقي أن أمارس الجنس، فأنا أرى أن الجنس كالأكل والشرب ولا بد منه في هذه الحياة، لا أريد أن أعيش مكبوتا مهموما بالجنس، ولا أفكر إلا فيه.
المسلمون قديما في فترة عصرهم الذهبي أشبعوا غرائزهم الجنسية، فكانت أمورهم ميسرة من زواج، أو ملك يمين، وما إلى ذلك، وعندها صرفوا طاقاتهم في شتى العلوم فكانت حضارتهم الأولى في العالم، إذا ما ذنبي أن أعيش مكبوتا مهموما، بحجة أنني لا أستطيع الزواج؟!
لم يبقى أمامي إلا الاستمناء الذي لا أفضله كثيرا، أو أن أمارس الجنس مع إحداهن دون عقد زواج، فأنا سأراعي هنا كل شيء سأتأكد أنها غير متزوجة، وأنها تأخذ حبوب الحمل، وأنه ليس بها أمراض جنسية، وسأستعمل الواقي الذكري، وعندها لن يحدث اختلاط للأنساب أو شيء من هذ القبيل.
ستقول: إن حلولي محرمة، إذا ما هو البديل المباح والمتاح حاليا للزواج؟ أخبروني وساعدوني جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ع.م حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أيها الولد الحبيب– في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا وثقتك فينا، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يقضي حاجاتك، وأن يكفيك بحلاله عن حرامه، ويغنيك بفضله عمن سواه.
نحن نتفهم –أيها الولد الحبيب– الظروف التي تعانيها والهموم التي تقاسيها، ونحن ننصحك نصيحة من يحب لك الخير ويتمنى لك السعادة في دنياك وفي آخرتك، ننصحك: بأن تسلك الطريق الصحيح للوصول إلى هذه الحاجات على الوجه الذي تأمن معه سوء النهاية والعاقبة، والله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الذي أنزله نورا وهدى للناس، علمنا سبحانه وتعالى فيه ماذا نفعل في هذا الجانب، فأمر الأولياء بالتيسير والتزويج، فقال سبحانه: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} ثم ثنى سبحانه وتعالى بخطاب من تعسر عليه الزواج ولم يقدر عليه، فقال سبحانه: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله}.
فهذه الآية تعنيك –أيها الحبيب– وأمثالك من شباب المسلمين الذين لا يقدرون على النكاح، فإن الله تعالى أمرهم ووعدهم، أمرهم بالاستعفاف –أي بطلب العفة– والأخذ بأسبابها، ووعدهم بأن يغنيهم من فضله.
ونحن على ثقة تامة –أيها الحبيب– من أنك إذا سلكت السبل الصحيحة لطلب العفة فإن الله عز وجل سيتولى عونك، ولن يخذلك.
لن تسلك هذا السبيل وتصبر عليه –أيها الحبيب– إلا إذا أيقنت يقينا جازما أن ما عداه إنما هو الدمار والهلاك في الدنيا والآخرة، وأن قضاء الشهوة فيما حرم الله سبحانه وتعالى ليست إلا بابا من أبواب جهنم، وليست سببا من أسباب الشقاء والتعاسة والحرمان في الحياة الدنيا فقط.
الزنى هو أسوأ سبيل، أسوأ طريق يمكن أن يسلكه الإنسان، ولهذا حذرنا الله تعالى بقوله: {ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا} فهو فاحشة –يعني بالغ مبلغا عظيما في الفحش والقبح– وهو كذلك ساء سبيلا: يعني أسوأ سبيل وأسوأ طريق يسلكه الإنسان.
وما رتبه الله عز وجل على هذا الذنب من العقوبات لو تخيلته وتصورته فإنك ستجد من نفسك الالتفاف عنه، فإن الله عز وجل وعد أصحابه بوعيد شديد، فقال سبحانه وتعالى في وصف عباد الرحمن: {ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى آثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب}.
وأخبرنا -عليه الصلاة والسلام– بأحوال الزناة والزواني في حياتهم البرزخية، فأخبرنا بأنهم في تنور توقد من تحتهم النار وهم عراة فترتفع بهم النار، ثم يهبطون، ثم ترتفع بهم النار ثانية، وهكذا، فهم يتألمون بعقاب من جنس اللذة التي كانوا يقضونها في الحرام في الدنيا، وأي خير في لذة لحظة يعقبها كل هذا الألم، وكل هذا العناء والشقاء والتعاسة، لا شك أن العقل يردع صاحبه عن ذلك.
لذلك نصيحتنا لك –أيها الحبيب–: أن تتذكر الوقوف بين يدي الله، وأن تتذكر ما أعده الله تعالى من عقوبات على هذا الذنب، وتتذكر ما سيلقاه الإنسان بعد موته، فإن هذا سيغرس في نفسك الخوف من الله تعالى، ومجانبة هذا الذنب.
أما سبل الاستعفاف فكثيرة، أولها: أن تبحث عن زوجة في غير مجتمعك الذي أنت فيه، فإنك ستجد من فتيات المسلمين وبنات المسلمين من ترغب في الزواج وتيسر المهر، ويرضى أهلها بذلك، ولا يشترط أن تتزوج من أسرتك أو من قبيلتك، ما دمت تتمكن من الزواج من غيرهن، والمسلمات الجدد لا سيما في البلد الذي أنت فيه كثيرات، إذن هناك وسائل عديدة للوصول إلى الحلال.
وعلى فرض أنك لم تقدر على ذلك فإن عليك أن تستعين بالله سبحانه وتعالى وتطلب العفة بأسبابها، ومن ذلك: اجتناب الأشياء المثيرة، وإدمان الصيام والإكثار منه، وشغل نفسك ببرامج نافعة، فإن من لم يشغل نفسه بالحق شغلته نفسه بالباطل، والاستعانة بالأصحاب الصالحين والإكثار من مجالستهم وقضاء الأوقات معهم، فإن ذلك يلهيك عن التفكير والتفكر في الحرام، وأعظم ما نوصيك به: اللجوء إلى الله تعالى بصدق واضطرار، والإكثار من سؤاله ودعائه أن ييسر لك ويرزقك، وأن تأخذ بأسباب الرزق، ولن تعدم من الله سبحانه وتعالى خيرا.
نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يقضي حاجتك وييسر أمورك.