السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا يا أخواني أمي متوفية, وأبي متزوج من ثنتين, ولدي أخوة أشقاء - حفظ الله جميع أخواني - لم أكن أقابل أبي إطلاقا رغم أنه ساكن في نفس المدينة، وأهل زوجته قريبون من بيتنا، وهو يوميا يذهب بها لهم، أنا أسكن في بيت جدي - حفظه الله ورعاه - جدي قام بحقي وبإخوتي حتى الآن، ولله الحمد دخلت الجامعة.
مشكلتي هي: أن أبي لا يمن علي! وأنا أصلا لا أحبه! وهذا من القلب!! ولكني مجبر على زيارته من فترة إلى أخرى، أنا أتحرج أن أذهب إلى بيته؛ لأني كل ما أذهب أرى مثلا أخوان زوجة أبي وأبنائهم وهم يعرفون أبي أكثر مني، فكل ما جلست في المجلس معهم أشعر بغضب والتضايق الشديد منهم، حتى أن مرة قال لي أحدهم وكان رجلا كبيرا :- أنت لا تعرف أباك! فرددت بغضب: معرفته لن تزيدني شيئا، وانفجرت غضبا وغادرت المجلس.
أنا لا أريد ان أقطعه، إنما مثلا أقابله لخمس دقائق فقط لا أكثر ولا أقل، يعني فقط قهوة وشاي وأمشي، لا أريد أن أضايقه ولا أريد مضايقة أهله.
شكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ammar حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك - أيها الولد الحبيب – في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا، ونسأل الله تعالى أن يأخذ بيدك إلى كل خير.
لا شك - أيها الولد الحبيب – أن حق الوالد على ولده عظيم، وقد قرن الله عز وجل حقه بحقه هو جل شأنه، فقال: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}، وأمر الله عز وجل بالإحسان إلى الوالد مهما بلغت إساءته إلى ولده، فقال سبحانه وتعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}.
واعلم - أيها الحبيب – أن رضا الله عز وجل عنك في رضا والديك عنك، وأن الوالد أوسط أبواب الجنة – كما قال النبي عليه الصلاة والسلام – يعني أفضل أبواب الجنة، فإن شئت فاحفظ ذلك الباب، وإن شئت فضيعه، والواجب عليك صلة أبيك بما يتعارف عليه الناس أنه صلة وبر، فإن البر والصلة يختلفان باختلاف عرف الناس زمانا ومكانا، ولا نظن أن ما تفعله من لقاء والدك لمدة خمس دقائق في بعض الأيام يكفي لأن يكون برا به وصلة، ومن ثم فنصيحتنا لك – أيها الحبيب – أن تبذل وسعك في مجاهدة نفسك، والتغلب عليها، وأن تعلم أن برك بوالدك عاقبته ستؤول عليك بالخير والصلاح في دنياك وآخرتك، وأن ذريتك من بعدك وأولادك من بعدك سيبرونك كما تبر أنت أباك، واجعل ثواب الله تعالى لك وما أعد لك من الخير هو الحافز الذي يدعوك لبرك بأبيك والإحسان إليه، ولا تنظر إلى معاملته لك أو ما قد كان في الماضي من إساءته إليك، فإن الله عز وجل سيجازي كل واحد منا على عمله، فلا تسئ أنت إذا أساء الآخرون.
وأما ما ذكرته من أنك لا تحبه فإنا نتفهم الحال الذي أنت فيه، ونعلم أن الحب من أعمال القلب، وأنه ليس إليك، ولكن أنت مطالب - أيها الحبيب – بأن تأخذ بأسباب الحب الذي يدعوك إلى البر والإحسان إلى والدك، ولا شك أن للحب أسبابا إذا عملت بها فإن هذا الحب سيتسرب إلى قلبك، ومن هذه الأسباب - أيها الحبيب – أن تتذكر إحسان والدك إليك، فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، ولقد أحسن أبوك إليك إحسانا كبيرا، إذ أنه كان سببا في وجودك في هذه الدنيا، ثم هو قد فرح بخروجك إلى هذه الدنيا فرحا عظيما، وتكفل برعايتك وقت الضعف، ومهما فعلت - أيها الحبيب – فإنك لن تستطيع أن تجزي والدك على الإحسان الذي قدمه إليك، لهذا يذكرنا الله عز وجل بهذه الحالات من حالات الإحسان، فيقول سبحانه وتعالى: {وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
فتذكر حالك وقت الصغر، وقت ضعفك وفقرك، وما قام به أبوك، فإنك ستجد منه إحسانا كبيرا وخيرا كثيرا، وهذا يدعوك إلى محبته والرحمة به والشفقة عليه، فإن هذا هو طبع الأنفس السوية والفطر السليمة، واحذر من أن يذكرك الشيطان على الدوام بإساءته إليك ليبغضه إليك، فإن هذا من كيد الشيطان ومكره.
استعن بالله - أيها الحبيب – واسأله سبحانه وتعالى أن ييسر لك البر بأبيك والإحسان إليه، ستجد من الله سبحانه وتعالى العون والتوفيق.
نسأل الله تعالى أن يأخذ بيدك إلى كل خير.