السؤال
السلام عليكم.
طموحي يتعبني، أنا طالبة في الجامعة، عمري 19 سنة، تخصصت تغذية إكلينيكية، أكرمني ربي بأن درجاتي عالية، ودخلت تخصص التغذية عن رغبة، لكن بعدما علم أهلي رفضوا رفضا قاطعا، وحاولوا أن يجبروني على تغيير التخصص، وأنا دائما أطمح لشيء عال، وعندما رفضوا تخصصي تعبت نفسيا.
عائلتي محافظة، وأكثر شخص يحاول أن يجبرني ولو بالضرب هو أخي؛ فهو يرفض رفضا قاطعا دخولي لذاك التخصص، معللا بأنه مختلط، ويهددني بأن يسحب ملفي من الجامعة، وأبي لا يريد هذا التخصص كذلك، لكنه لا يريد أن يجبرني على شيء لا أريده، وكل يوم أخي يشتمني، إلى أن أخبرني بأنني عار عليهم، ويريد قتلي!
تعبت، وكدت أرمي نفسي من السيارة، وأردت الانتحار، لماذا يمنعونني؟ هل لأنني فتاة؟ كرهت نفسي، وأهلي، ومجتمعي، والدنيا، أريد أن أرضي أهلي، لكنهم يريدون رضا الناس عليهم، لا يريدون إرضائي، لم أعد أستطيع المذاكرة بسبب نفسيتي السيئة، وأفكر بأن أعتذر عن الفصل، وتراودني فكرة الانتحار!
أرجو الرد بأسرع وقت، لم يعد لدي وقت.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رون حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك كل خير، وأن يصرف عنك كل مكروه.
أولا: ننبهك -أيتها البنت العزيزة– إلى أن التفكير في الانتحار ما هو إلا استدراج لك من الشيطان، يريد أن يوقعك في شباكه لتخسري الدارين، فإن الانتحار لن ينقلك من العناء إلى النعيم، بل سيجرك إلى العذاب الأليم، والعناء الطويل، فإن من قتل نفسه بشيء في الدنيا، فإنه متوعد بأن يعذب به في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن احتسى سما فقتل نفسه فإنه يتحسى سمه في يده في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-. القتل أمره عظيم، قال تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} لا تعاجلي الله بنفسك فيغضب عليك، احذري من وساوس الشيطان، فإنه سيجرك إلى ندامة حيث لا ينفع الندم.
هذا عن التفكير في الانتحار، أما ما ذكرت من دراستك للتخصص الذي ذكرت أن فيه اختلاطا، فإن من حق والدك أن يرفض ذلك، وكذلك من حق إخوانك أن يرفضوا ذلك خوفا عليك، فإنك جزء منهم، وهم يخافون عليك كما يخافون على أنفسهم، وما هذه الغيرة عليك والخوف عليك إلا لمنزلتك في قلوبهم ومحبتهم لك، ولولا أن لك منزلة في قلوبهم، وأهمية في نفوسهم، لما أخذتهم المبالاة بك وبما تقدمين عليه، فينبغي أن تفهمي الأمور في سياقها الصحيح، وأن تدركي أن من حولك من أهلك يهمهم أمرك، وهم حريصون على سلامتك وسلامة سمعتك، ومن ثم ينبغي أن تتقبلي تصرفاتهم وتوجيهاتهم في هذا السياق، فحينها ستدركين أن من حولك يريد لك الخير، ويتمنى لك السعادة، ويحاول أن يبعدك عما يجر لك الأذى حالا أو مستقبلا.
أنت في سن قد لا تدركين فيه كل مصالحك، وقد تغيب عنك بعض المفاسد المترتبة على بعض التصرفات، ولكن من هم أكبر منك سنا، وأعظم منك خبرة بالحياة ومسالكها ودروبها، وأكثر منك دراية بأهل هذه الحياة، قد يدركون ما لا تدركين أنت، ويتوقعون ما لا تتوقعينه.
نحن ننصحك بأن تأخذي توجيهات أسرتك مأخذ الجد، وأن تفحصيها فحص المتأملة والناظرة في المفاسد والمصالح، وأن تدركي قبل ذلك بأن الله عز وجل الذي هو أرحم بك من نفسك، وأرحم بك من أبيك وأمك، هذا الرب الرحيم سبحانه وتعالى قد شرع شرعا وصى فيه بك، فوصى الوالدين بالإحسان إليك، فقال سبحانه وتعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} فهو يوصي بك حين تكونين بنتا، ويوصي بك حين تكونين أما، فيقول: {ووصينا الإنسان بوالديه}، ويوصي بك حين تكونين زوجة، فيقول -عليه الصلاة والسلام-: (اتقوا الله في النساء)، هذا الرب الرحيم سبحانه وتعالى الذي يوصي بك في جميع مراحل حياتك، شرع لك من الشرع الحنيف ما تتحقق به مصالحك، وتندفع به عنك أنواع المضرات العاجلة أو الآجلة، فالخير كل الخير في أن تلتزمي بهذا الشرع، وأن تقفي عند حدود الله، وأن تعلمي أن ما أحل الله لك هو عين المصلحة، وما حرمه عليك هو عين المفسدة، وأن الله عز وجل لا يأمر بالفحشاء، بل أمر سبحانه وتعالى بالقسط، وأقام العدل، فإنه سبحانه وتعالى يأمر بالعدل والإحسان.
أمرك بأن تحتجبي عن الرجال الأجانب، وحذرك نبيه -صلى الله عليه وسلم– من أن تختلطي بالرجال اختلاطا مخلا فيه تعرض للفساد والفتنة، ومن المعلوم أن الغالب الأعم من الاختلاط المعاصر -لا سيما في مواطن الدراسة المنفتحة-، لا تراعى فيه الضوابط الشرعية، وقد تتعرضين لما تتعرضين له، وأقل ذلك إساءة الظن بك من قبل الآخرين المحافظين على دينهم، فوقوعك في مثل هذا المزلق قد يحرمك من خيرات كثيرة.
لذلك نصيحتنا لك:
أن تنزلي عند رأي والدك وإخوانك، وتبحثي عن التخصص المناسب لقدراتك، والذي تبتعدين به عن مواطن الريب والشبهة، فتصونين بذلك نفسك، وتصونين مستقبلك، وترضين أسرتك من حولك، فتعيشين حياة هادئة مطمئنة، وتتطلعين إلى مستقبل جميل مشرق.
نسأل الله تعالى أن يقدر لك كل خير، وأن يصرف عنك كل مكروه وشر.