الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشاكل الاختلاط في المراحل الدراسية.. كيف أتجنبها؟

السؤال

في مراحلي التعليمية من الابتدائي إلى الثانوي، درست في مدارس مختلطة، ولم أكن أدرك حينها خطورة الاختلاط، فكنت أُفتن أحيانًا، وحاليًا أنا طالب في المرحلة الجامعية، والنظام أيضًا مختلط لعدم توفر غيره، وقد يكون عملي فيما بعد مختلطًا أيضًا.

أنا الآن محتار بين خيارين:

1. الخيار الأول: أن أعيد دراستي الجامعية في الخارج - بجامعة غير مختلطة - إن كانت دراستي السابقة التي شابها الاختلاط والآثام لا تؤثر على دراستي مستقبلاً في الخارج، ولا تؤثر أيضًا على حلٍّ لعملي فيما بعد.

- الإشكال في هذا الخيار هو: أن اجتيازي لامتحان البكالوريا يكون في مدرسة مختلطة، وقد نجتاز امتحان مادة فيها محرمات مثل مادة الفلسفة.

2. الخيار الثاني: أن أنفصل تمامًا عن هذه المدارس المختلطة، وأتوظف بصفة عامل مهني في مدرسة تربوية غير مختلطة، هذه الوظيفة ليس لها علاقة بدراستي السابقة أبدًا؛ لأنهم لا يشترطون شهادات دراسية، فقط يشترطون اللياقة البدنية الجيدة.

- الإشكال في هذا الخيار أمران:
- الأول: صعوبة الحصول على هذه الوظيفة، وقد يدوم انتظاري للحصول عليها أشهرًا، أو يمكن سنوات، إلا إن كان لي معارف، فسيكون ذلك سهلًا، لا أعلم إن كان استغلال المعارف للحصول على وظيفة حرامًا أم لا؟!

- الثاني: أني أدفع في ترشحي لهذه الوظيفة وثيقة أدائي للخدمة العسكرية، والتي فيها محاذير شرعية.

وقد خلصت إلى حلٍّ وهو: بما أن وظيفة العامل المهني قد تدوم سنوات حتى أحصل عليها، رأيت أن أعيد دراستي الجامعية في الخارج بجامعة غير مختلطة، وبعد أن أتخرج سأزاول عملًا ما بشهادة تخرجي - بإذن الله - لأنني لا أملك مصدر دخل، فأبي هو من ينفق عليّ، في نفس الوقت، إن أتيحت لي فرصة التوظف بوظيفة عامل مهني، سأترك وظيفتي التي حصلت عليها بشهادتي الجامعية.

أفتوني بما يخرجني إلى الأحوط، حتى أتجنب اختلاف العلماء، جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك - أيها الابن الكريم - وشكرًا لك على هذا الحرص على تجنُّب الاختلاط والبُعد عن الآثام، ونسأل الله أن يُهيئ لأُمّتنا أمر رُشدٍ، يتمكّن فيه أولياء الأمر من الفصل بين الرجال والنساء، فإن الشريعة تُباعد بين أنفاسهم حتى في صفوف الصلاة، فتجعل خير صفوف النساء آخرها لبُعدها عن الرجال.

أرجو أن يُدرك الجميع أن العالَم بأثره -حتى في البلاد الغربية- إلى سنوات قريبة كانت هناك مدارس ليس فيها اختلاط، والآن بعد أن ذاقوا الويلات بسبب المدارس والتعليم المختلط؛ بدأوا أيضًا في إنشاء مدارس تمنع وجود البنات مع الأولاد، وطبعًا فعلوا ذلك ليس خوفًا على دينهم، فلا دين لهم في الحقيقة، ولكن خوفًا على تعليمهم ومستقبلهم، ونسيجهم الاجتماعي والجانب الصحي، إلى غير ذلك من الأمور الخطيرة التي داهمت حضارة الفساد.

المؤسف أن بعض دولنا تسير في هذا النفق المظلم، ونسأل الله أن يُعيد إلينا وعينا حتى ننتبه لخطورة ما يحدث.

أمَّا بالنسبة للدراسة فأرجو أن تتفق معي أن وسط هذا الاختلاط ووسط هذه الجامعات الموجودة هنا وهناك - بكل أسف في ديار العرب والمسلمين - هناك طوائف من الشباب الملتزمين، هناك من بناتنا الملتزمات بالنقاب والحجاب الكامل الساتر (حجاب الرأس) يُكملون دراستهم، ونحن نريد أن نقول: ندعوك إلى أن تُكمل الدراسة، وتضع نفسك وسط رفقة آمنة، وتجتهد في غض البصر، وتستعين بالله تبارك وتعالى، وتحافظ على نفسك.

نريد أن نقول أيضًا: نجح في هذا المجال أعداد لا تُحصى؛ لأن هذا هو السبيل لتصحيح هذا الوضع؛ لأننا نريد من المتدينين الحريصين أن يُصبحوا دكاترة ويُصبحوا أساتذة، ويصلوا إلى مواطن القرار، حتى يُغيّروا هذا الواقع، حتى يُعينوا الناس على التمسُّك بهذا الدّين العظيم.

لو أن شابًّا ملتزمًا متمسّكًا بدينه قابضًا عليه كالقابض على الجمر، درس الدراسة وانتهى حتى أصبح طبيبًا؛ فإن هذا أنفع للأمّة من غيره، بل أنفع لنساء الأمّة ورجالها؛ لأنه سيكون ناصحًا؛ لأنه تسلّح بهذه الشريعة التي تدعو إلى كل خير، وتدعو إلى صيانة الأعراض، وتدعو إلى العفّة.

لا نريد للأفاضل مثلك أن يتركوا هذا التعليم، رغم التحديات الكبيرة، والشيخ ابن عثيمين يُشير إلى أن مجرد الخوف من الفتن لا يكفي للانسحاب، لكن إذا تيقّن الإنسان أنه هالكٌ ولا محالة فعندها ينجو بنفسه.

لكن أنا أقول: في الواقع الذي نُشاهده هناك أعداد لا تُحصى من الطيبين والطيبات أكملوا دراستهم، وحفظوا كتاب ربهم، ونالوا أعلى الشهادات والتخصصات، وينفع الله تبارك وتعالى بهم في الحياة العملية.

إذا كثّرنا سواد هؤلاء بأن صبرنا وأكملنا تعليمنا وأكملنا دراستنا؛ فإن هذا سيكون عونًا لنا على تغيير هذا الواقع.

أمَّا بالنسبة لدراسة المواد المحرّمة كمادة الفلسفة أو المواد التي فيها إشكالات؛ فأرجو أيضًا ألَّا يكون ذلك سببًا لترك الدراسة؛ لأنه ربما يستفيد من هذا أعداء الإسلام عندما يُصروا على دراسة هذه المواد، حتى يُبعدوا المتدينين، وسنجد بعد فترة كل المتعلمين، وكل الذين يُمسكون بمواطن القرار هم من غير الملتزمين.

أذكر هنا الدكتور - نسأل الله أن يتقبل شهادته - عبد القادر عودة، الذي درس القانون الوضعي، ثم نقده وهدمه، ثم جاء بفتحٍ كبيرٍ في التشريع (التشريع الجنائي في الإسلام)، وكان يقول كلمات جميلة، كان يقول: " أعتذر للقانون معنىً لأهدم القانون مبنىً ونصًّا"، وفعلًا استطاع أن يُقيم حقًّا استفادت منه الكثير من الدول، وهو مثلُه كثيرٌ ممَّن درس هذا الباطل وهدم هذا الباطل، فالذي يريد أن يهدم الباطل أيضًا لا بد أن يكون عنده علمٌ به، ونسأل الله أن يُعينك على تجاوز هذه الصعاب.

هذا الذي نميل إليه، ولكن إذا تيقنت من الهلاك فلا مانع من أن تذهب إلى خيارات أخرى، والله يُغنيك ويُوفقك، ويُلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادرُ عليه.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً