السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ختمت حفظ القرآن، وها أنا أعيده لأني لست راضية عن حفظي، أنا جالسة في البيت وأعتني بجدتي المريضة.
المشكلة هي: أني لا أستطيع الاشتغال بأمور كثيرة، واعتنائي بجدتي يجعلني بالكاد أقدر على إتمام ورد الحفظ والمراجعة عادة، أحس أني كل يوم أبتعد عن الله أكثر بسبب عدم تركيزي على جودة العبادات، خاصة الصلاة، كان كل همي التقرب إلى الله وحبه والتنعم بذكره، ولما أيقنت أنه لا سبيل لذلك إلا بالعلم، حصل ما حصل ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إذا حاولت التركيز على تزكية نفسي، والخشوع في الصلاة والذكر والقيام، يحصل تقصير في تثبيت القرآن، والعكس صحيح، لا أدري ماذا أفعل، أحس بالذنب، وفي ذات الوقت طبعي يحول بيني وبين الجمع بين الأمرين، وكذلك الجمع بين حفظ الألفاظ وتأثر القلب بكلام الله.
تحدثني نفسي بعدم تكليفها فوق الاستطاعة، وأنه بعد حفظ القرآن -إن شاء الله- سيتحسن الحال، ولكن ألم البعد يجعلني حائرة.
كذلك عندي ملاحظة أخرى وهي: أنني عندما أعزم على تدبر القرآن والخشوع مثلا، أجد أني أستطيع ولا أقول كليا، ولكن ضغط الوقت يفسده علي ويجعلني لا أواصل.
خلاصة الأمر: أني تركت مجاهدة نفسي توفيرا للوقت والجهد لحفظ القرآن، وخوفا من أن أحفظ حفظا غير متقن مرة أخرى، فماذا أفعل؟ أرشدوني جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ راجية عفو ربها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يكثر من أمثالك، وأن يثبتك على الحق، وأن يعينك على حفظ كتابه حفظا تاما كاملا، كما نسأله تبارك وتعالى أن يرزقك العمل به، ونسأله جل وعلا أن يعينك على إكرام جدتك والإحسان إليها والصبر عليها، وألا يحرمك الأجر والمثوبة، وألا يبتليك بمرض يعقدك عن الحركة، وأن يجعلك من أهل الصحة والسلامة والعافية دائما أبدا، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد في رسالتك -أختي الكريمة الفاضلة–، من أنك قد من الله عليك بختم حفظ القرآن الكريم، وأنت تعيدينه، إلا أنك تقولين: إنك لست راضية عن مستوى الحفظ، وذلك نظرا لاهتمامك بجدتك المريضة التي تأخذ منك وقتا طويلا، وهذا مما يشعرك بعدم وجود الوقت الكافي الذي من خلاله تستطيعين أن تتذوقي معاني القرآن وأن تتدبريه، حتى إن الصلاة نفسها أيضا متأثرة بهذا الجو الذي تعيشين فيه، فصلاتك لا تشعرين فيها بخشوع، وكذلك أيضا جمعك ما بين حفظ الألفاظ وتذوقك لكلام الله تبارك وتعالى، أيضا تشعرين بأن ذلك فوق الاستطاعة.
أنا أقول لك: بداية -أختي الفاضلة راجية عفو الله تعالى-: لقد قال الله جل وعلا: {فاتقوا الله ما استطعتم}، ونبينا -صلى الله عليه وسلم– أخبرنا بقوله: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم} فالإنسان مطالب أن يفعل الذي يقدر عليه، وأنت إذا لم تستطيعي أن تقرئي مثلا وردا كبيرا، فمن الممكن أن تخفضي عدد الصفحات أو تقللي الورد الذي تقرئينه يوميا.
أما بالنسبة لجدتك، فهذا الكلام لا نستطيع أن نتكلم فيه، على اعتبار أنها ما دامت في حاجة إلى أي نوع من الخدمة لا تقصري في ذلك، فإن الثواب المترتب على ذلك لا يقدر قدره إلا الله، ولا تعلمين ما أعد الله لك جراء ذلك إلا الذي يعلم السر وأخفى.
القرآن الكريم ما دمت قد من الله عليك بحفظه مرة، فأنت تحتاجين إلى مراجعة، وهذه المراجعة تحتاج إلى استغلال أي فرصة متاحة من الأوقات التي تتبقى لديك.
قضية التدبر: إذا لم تتأت الآن فمن الممكن أن تتأتى في المستقبل، لا تشغلي بالك كثيرا بهذا الأمر، فإن الله تبارك وتعالى سيمن عليك بفضله ورحمته ببركة إكرامك لجدتك وصبرك عليها وتمريضك لها، هذه كما ذكرت من أجل الأعمال وأعظم القربات، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم– سأله سائل: من أحب الناس إلى الله تعالى يا رسول الله؟ قال: (أنفعهم للناس) وخدمتك لجدتك مما لا شك فيه تأتي على رأس أعمال البر وأعمال النفع، فأرى ألا تقصري في قضية خدمة جدتك المريضة قدر الاستطاعة.
وفيما يتعلق بالمراجعة: من الممكن أن تقللي من مقدار المراجعة، إذا أردت أن تتدبري الألفاظ، أو تجعلي يوما تقرئين فيه قراءة سريعة بدون تدبر، وتجعلين يوما آخر للتدبر ولتذوق معاني القرآن، إذا إما أن تقللي المقادير التي تقرئينها يوميا وتواصلين القراءة مع التدبر، وإما أن تجعلي يوما للمراجعة فقط وتقرئين فيه أكبر قدر ممكن من الحفظ؛ لأن الحفظ يحتاج إلى مراجعة يومية منتظمة، والحفظة المهرة يقولون: يحتاج صاحب القرآن لأن يراجع خمسة أجزاء يوميا.
إذا موضوع التدبر الآن، خاصة وأنك تقولين: إنك غير راضية عن حفظك، أرى أن تؤجلي هذه المرحلة أو هذه الفترة التي أنت فيها، وأن تركزي على المراجعة قدر استطاعتك بجوار خدمتك لجدتك، -وإن شاء الله- تعالى سوف يرزقك الله تبارك وتعالى حلاوة الإيمان، وسوف يكرمك بحلاوة التدبر والخشوع، وأيضا حلاوة الوقوف بين يديه، وعليك بالدعاء أن الله يمن عليك بذلك، -وبإذن الله تعالى- سوف يكرمك الله عز وجل بذلك.
إذا أقول –بارك الله فيك-: اجتهدي خلال المرحلة الأولى في المراجعة حتى يثبت لديك الحفظ؛ لأن الحفظ يحتاج إلى مراجعة، أما التدبر فهذه مرحلة أخرى، وهي في الغالب وإن كان لها دور في تثبيت الحفظ إلا أنها ليست كالمراجعة، فالمراجعة بمعدل خمسة أجزاء من القرآن يوميا، أو أربعة أجزاء يوميا، تجعلك -بإذن الله تعالى– في فترة وجيزة تتقنين الحفظ بطريقة مرضية، ولا يغيب عنك آية أو حرف من آية -بإذن الله تعالى– في المستقبل.
ثم بعد أن تنتهي من هذه المرحلة –مرحلة تثبيت الحفظ–، وهذا يحتاج منك إلى عدة أشهر، بمعنى أنك كل أسبوع تكونين قد راجعت القرآن كله، كل أسبوع تكونين قد ختمت ختمة، -بإذن الله تعالى- في خلال شهرين أو ثلاثة سيصبح القرآن لديك كاسمك ليس فيه أدنى مشقة، عندها تبدئين بتقليل مقدار المراجعة، وتوسعي مقدار التدبر والخشوع، -وبإذن الله تعالى- سوف يتحقق لك كل ما تريدين؛ لأنك في عبادة عظيمة، وهي برك بجدتك.
أسأل الله عز وجل أن يجزيك عن صنيعك لها خيرا، إنه جواد كريم، وأن يتقبل منا ومنك، وأن يعينك على حفظ كتابه، وأن يرزقك التدبر والخشوع والتذوق لمعانيه، وأن يعينك على العمل به، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.